مشايخ دوت كوم
أصبح عندنا الآن في مصر وفرة في «المشايخ» وأهل الفتوي من النساء والرجال... كما أصبح عندنا قنوات فضائية لا تقوم إلا علي الحديث عن الدين والصلاة والوضوء والحمد لله، وكما أن الشعب المصري يميل إلي تشجيع النوادي الرياضية بنسب متفاوتة فقد أصبح لجمهور المشايخ أيضاً أندية ومشجعون.. حتي إن صديقي الحاج «محسن» يفتخر بأنه لا يدير عينه عن القناة الفضائية التي تخصصت في دروس الشيخ «فلان الفلاني» لكن أحـد أقاربي يقول عن ذات الشيخ إنه ممل.. وإنه - أي قريبي - لا يفهم منه شيئاً، أما الشيخ «علان العلاني» - والكلام ما زال لقريبي - فإن هذا الشيخ «آخر حلاوة ما تقولش كلامه سحر ياأخي ؟!» ومن باب المساواة بين الشيخ والشيخة فإن هناك بعض القنوات تخصصت في استضافة المفتيات من النساء... ووأصبح لدي كل معد لبرنامج أكثر من كشف للضيوف المشايخ... فإذا أثيرت مسألة «النقاب» مثلاً، قام معد البرنامج بالضغط علي الزرار رقم «5» فتخرج أمامه الشيخة فلانة وأمامها الشيخ «علان» ثم تبدأ المعركة الكلامية... ولا مانع من أن يتم توسيع نطاق المعركة لتشمل مواقع «النت» وهكذا.
ولأن هناك جمهوراً يشاهد في منامه الرؤي والأحلام ويطلب تفسيرها.. فلم تدخر القنوات الفضائية جهداً في أن تأتي بشيخ خاص للرؤي.. ويدخل رجال الأعمال في هذه العملية التجارية بشراء البرامج.. وتخصيص المشايخ... ثم تدخل شركات الهواتف وتبدأ حملة الاتصالات وطبعاً عمولة القناة محفوظة.. وأحياناً عمولة الشيخ أيضاً... وقد تقدم بعض النواب بطلب صياغة مشروع قانون يحد من الإسهال في الفتوي.. ودار حديث بين هذا النائب وبين أحد المهمين.. استمعت إليه بنفسي إذ كنت حاضراً في هذا الحديث ليس بصفتي من المهمين أو الحكام لا سمح الله وإنما لأني كنت أقوم بواجب العزاء في والد أحد الرجال المهمين أيضاً.
المهم ياسادة أن هذا المهم الكبير نهي المهم الصغير عن تقديم هذا المشروع وهو يوبخه لقيامه باضطهاد المشايخ.. ثم قال له نظريته الخالدة في عبارة وجيزة والتي فحواها «كل اللي بعيد عن قفايا... يسلم ويعيش معايا ».. وقد قمت بدراسة هذه الحكمة وقمت بتطبيقها علي قنوات المشايخ والرؤي بشتي أنواعها.. فكانت الملاحظة الأولي أني لم أجد شيخاً يتحدث عـن أهل الفساد في الحكـم... ولا قتلة الشعوب بالسماد المسرطن.. ولا من سهلوا لصاحب العبارة قتل الآلاف ثم الهروب خارج البلاد.. ولم أجد شيخاً يتحدث عن أهل الحكم والسلطان والوزراء فيما يفعلونه من حرمان آلاف المرضي من حق العلاج.. وقد نشرت جريدة الأهرام أن وزارة المالية توقفت عن سداد فواتير العلاج علي نفقة الدولة.. ما دام هذا المريض اسمه «عبده الشحات». أما الراقصة «سوستة» فلها أن تعالج كعب رجلها الشمال علي نفقة الدولة.. ومن حصيلة الضريبة العقارية إن أرادت!... لم أجد شيئاً إذن من هذا مع أن هذه الجرائم من أكبر الكبائر. وعلمت أيضاً أن هذه الجرائم هي المقصودة بالقفا المشار إليه في حديث الرجل المهم؛ أي مادام حضرات المشايخ لا يتعرضون للجرائم الحقيقيــة في مصر.. فلا مانع من أن يملأوا الدنيا فتاوي وأحكامًا ما دامت بعيدة عن الفساد وعن بيع ممتلكات البلاد للأجانب والأغراب. ثم إني لم أستمع إلي شيخ فضائي واحد يحدثنا عن قضية الجدار العازل.. أو عن مدي مسئولية المسلمين والعرب الذين يمنعون الغذاء عن أشقائهم المسلمين والعرب.. سواء بجدار عازل أو من غير جدار عازل.. ويثور السؤال عما إذا كان من صفات الشيخ الفضائي الصمت عن قتل الآلاف من أبناء شعب غزة... بينما يتحدث «بربند» عن الرجل الذي وضع السم لكلب جارته... وما إذا كان قتل الكلب حلالاً أم حراماً!
صحيح أن الشيخ الفضائي يختلف عن الشيخ الأرضي، ذلك أن الشيخ الأول أشد وجاهة وألذ... لكن توظيف ظاهرة المشيخة في حياتنا هو أخطر الأخطار، ذلك أن الجماهير أيها الساده الشيوخ قد تم تخديرها بكم، وعليكم واجب إعادتها إلي الحياة.. حتي إن كان الثمن هو استغناء القناة الفضائية عنكم وبحثها عن شيوخ من نوع آخر...
والشيخ الذي نعرفه ونقرأ عنه في الكتب هو الذي يقوم بنصيحة وترشيد الحاكم والمحكوم ويهتم بكل الأمور، ورحمة الله علي الشيخ كشك وجميل غازي والمحلاوي وغيرهم من الشيوخ العظماء.
وبهذه المناسبة، يروي أن الإمام الشافعي قد جاءه رجل ذو هيبة يسأله وكان الشافعي ماداً رجليه فاعتدل في جلسته احتراماً للرجل.. ولما سأله هذا الأخير كان سؤالــه عن حكم «دم البرغوث إذا ما نضح في الثوب» فمد الشافعي رجليه مرة أخري بعد أن وجد السؤال تافهاً ثم قال :
« آن للشافعي أن يمد رجله ».
وعجبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق