مرحبا

لا لجدار العار جدار الذل

ادخل وشارك برايك وقل لا لجدار العار جدار الذل

خدمات الموقع

HELP AQSA

break

الخميس، 26 نوفمبر 2009

إليك ربي أشكو ...د / محمود غزلان


إليك ربي أشكو ...د / محمود غزلان

26/11/2009
د / محمود غزلان :

الظلم مُرُّ المذاق، شديد الوقع على المظلوم، يُنزل الغم به وبذويه، ويملأ قلوبهم بالحزن والحسرة؛ ولذلك فقد حرَّمه الله تعالى على الناس، بل حرَّمه على نفسه- وهو الذي لا يُسأل عما يفعل- فقال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا..."، وتوعَّد الظالمين بأوخم العواقب في الآخرة ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ (إبراهيم)، وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه أشد التحذير فقال: "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة". "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"، "اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ".

ورغم ذلك فما زالت الأنظمة الحاكمة تسكر بغرور القوة والسلطان والجنود والأعوان والغنى والأموال، فتطغى وتجور ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾ (العلق)، فتنشر ظلمها على من ولاَّها الله أمرهم، وجعلها مسئولة عنهم، مكلفة برعايتهم وإقامة العدل بينهم، واحترام حقوقهم وحرياتهم، والالتزام بمشاورتهم، والحفاظ على أموالهم وممتلكاتهم واستمداد شرعيتها منهم.

أقول هذا بعدما تمَّ الإفراج عن عشرات من كرام الإخوان، الذين تمَّ القبض عليهم منذ شهور عديدة فيما عُرف باسم (التنظيم الدولي للإخوان المسلمين)، تمَّ القبض عليهم من بيوتهم في جوف الليل، في حملات إرهابية تروع أهل البيت: النساء والأطفال، وتنتهك الحرمات، وتعبث بالمحتويات، وتصادر الأموال والأوراق والمقتنيات، ثم وجهت لهم اتهاماتٍ ملفقة طالتهم وطالت غيرهم على ساحة العالم الإسلامي، بل وبعض البلاد الغربية، ثم ألقت بهم في غياهب السجون، وظلت النيابة تمدد حبسهم بلا مبرر، حتى بعدما حكم القضاء بالإفراج عن بعضهم؛ اعتقلتهم الداخلية وجددت اعتقالهم بعدما انتهت فترة الاعتقال الأولى، حتى حصلوا على خمسة أحكام قضائية بالإفراج من محاكم الجنايات، وهذا يدل على مدى احتقار الحكومة للقانون وأحكام القضاء، وقد أقسموا جميعًا يمينًا بالله أن يحترموا الدستور والقانون.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما امتد إلى التشهير والتشويه، وقام بذلك الصحفيون الأمنيون في الصحف الحكومية، وللأسف الشديد فقد انزلقت بعض الصحف التي تدَّعي الحرية والاستقلال إلى هذه الوهدة، ونشرت افتراءات مباحث أمن الدولة على عدة أيام وكأنها حقائق ثابتة، والآن أسألهم أين الخوف من الله؟ أين أمانة الكلمة وكرامة المهنة؟ أين احترام الذات؟ بل أين حمرة الخجل؟ لقد انتفضتم غضبًا عندما عاتبتُكم على نشر الكذب والمشاركة في الظلم، فهل لديكم من الشجاعة ما يدفعكم للاعتذار؟

مَنْ يردُّ لهؤلاء الإخوان اعتبارهم ويعوضهم عما نالهم في حريتهم وصحتهم وأعراضهم وأوقاتهم وأعمالهم وأموالهم وأهليهم؟ أعتقد أنهم يقولون جميعًا معي: (إليك ربي أشكو).

ولئن انتهت هذه القضية هذه النهاية؛ فإن هناك قضيةً ظالمةً أخرى بدأت في ديسمبر 2006م، وما زالت مستمرة حتى الآن، وهي القضية التي كان على رأسها الأخ الكريم خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، ومعه مجموعة من أساتذة الجامعات ورجال الأعمال والمهنيين، فهي قضية لا تختلف عن القضية الأولى إلا في الأشخاص بَيْدَ أنها ذهبت إلى المحكمة العسكرية التي حكمت بأحكام شديدة القسوة، وهذه المحاكم ليست مؤهلة لمحاكمة المدنيين؛ فقضاتها ليسوا مستقلين، إضافة إلى تبعيتهم لوزير الدفاع، الأمر الذي يجعلهم جزءًا من السلطة التنفيذية، وحتى حينما استحدثوا لهذه المحاكم درجة أعلى يُطعن فيها على حكم المحكمة الأولى؛ فإن ذلك لم يُزِلْ هذا العوار، ومِن ثَمّ لا يُنتَظر من هذا النوع من المحاكم عدلٌ ولا إنصافٌ، ولذلك تُحال إليها على الدوام قضايا الإخوان المسلمين؛ لأنها خلافات سياسية وليست قضايا جنائية، ولذلك فقد أيدت المحكمة العسكرية العليا أحكام المحكمة العسكرية العادية دون اعتبار لمدى الظلم الذي لحق بهؤلاء الرجال منذ ثلاثة أعوام، والمنتظر أن يمتد إلا أن يشاء الله، وكأني بهؤلاء الناس لم يسمعوا قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)﴾ (النساء) وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ (النساء: من الآية 135) وقوله تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)﴾ (المائدة) ولا قوله صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار".

فيا أيها الظالمون حكامًا ونيابةً وعسكريين.. ألم تتذكروا مرة أنكم ميتون وستتركون ما أنتم فيه من مناصب وجاه ومال ومتاع خلف ظهوركم، وستتحولون إلى عظام ورفات؛ ثم تقومون لله رب العالمين وأعدل الحاكمين؟ ﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)﴾ (المطففين)؛ هل يساوي كل ما تمتعتم به في هذه الدنيا قضاء لحظة في نار جهنم؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا أنه "يؤتى بأكثر أهل الدنيا نعيمًا فيغمس غمسة في النار، ثم يخرج فيُسأل: هل رأيت نعيمًا قبل؟ فيقول: لا والله ما رأيت نعيمًا قط".

فما بالكم إذا عاقبكم الله بكل سنة حكمتم بها على بريء بسنة في النار، فانظروا عدد السنين التي حكمتم بها على الأبرياء، وهنالك فارقٌ كبيرٌ؛ وهو أن اليوم عند ربك كألف سنة مما تعدون، فهل يقبل عاقلٌ هذه التجارة الخاسرة؟ ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾ (الزمر).. هذا كله يجعلنا نردِّد مع البارودي- رحمه الله- ونحن على ثقة من عدل الله:
يَا أَيُّهَا الظَّالِـمُ فِـي مُلْكِـهِ أَغَرَّكَ الْمُلْكُ الَّذِي يَنْفَدُ؟
اصْنَعْ بِنَا مَا شِئْتَ مِنْ قَسْوَةٍ فَاللهُ عَدْلٌ وَالتًَّلاَقِي غَدُ

ففي هذه الأيام المباركة عندما يئسنا من عدل الأرض، وأُغلقت في وجوهنا الأبواب، واستشعرنا العجز عن دفع الصائل ودرء الباطل، ومواجهة إرهاب الدولة، نكرر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الطائف "اللهم أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين ورب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".

فيا أيها المظلومون- وما أكثركم- ردِّدُوا في هذه الأيام وفي أوقات السحر وفي سجود الصلاة وأوقات الإجابة: (إليك ربنا نشكو)، فهو الذي لا تضيع عنده شكوى، وثقوا أن الفرج بإذن الله قريبٌ، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عضو مكتب الإرشاد

ليست هناك تعليقات: