الوطنية على منهج كرة القدم ...مسعد عبد الله
26/11/2009
مسعد عبد الله :
تغيرت فجأةً معالم الشارع المصري؛ فأصبحت لا ترى سوى الأعلام المصرية في كل مكان أمام المحلات التجارية، وفي شرفات المنازل، وعلى السيارات ..، هتاف (مصر مصر) يدوي في كل الجنبات، النساء والرجال والأطفال يرسمون على جبهاتهم علم مصر، صوت المطربة الشهيره شادية يشدو "يا حبيبتي يا مصر يا مصر" من البيوت والسيارات؛ حتى (التوك توك)، وجميع الفضائيات المصرية بجميع برامجها وضيوفها يتغنون باسم مصر؛ حتى وصل الأمر ببعض الفضائيات إلى أن تعرض موسيقى المسلسل الشهير رأفت الهجان، والذي ارتبط في أذهان المصريين بأعلى درجات العطاء والبذل للوطن، مصاحبًا لصور رجال الموقعة القادمة- أعضاء المنتخب الوطني- مواطن لا يملك ثمن رغيف العيش يدفع كل ما لديه لشراء علم أو حتى شراء بعض المفرقعات للاحتفال بعد النصر، رجال أعمال يشيدون شاشات عرض وأماكن مناسبة لمشاهدة الأحداث الحاسمة، مظاهر توحي بوطنية لا تجد لها نظيرًا في تاريخنا منذ حرب السادس من أكتوبر؛ السبب ببساطه هو فعاليات حسم تذكرة التأهل لنهائيات كأس العالم بين منتخبي مصر مع الجزائر!!!.
حاولت أن أجرب التقليل من أمر المباراة على الملأ ففعلت ذلك بين زملائي في العمل، فإذا بي أقل الناس حبًا لمصر، وصاحب أجندةٍ خارجيةٍ تعادي الوطنية؛ لصالح أغراض شخصية؛ حتى قام أحد الزملاء صارخًا في وجهي (هتفوز مصر بالغيظة فيك، وفي كل اللي زيك).
غاب المثقفون والعقلاء والسياسيون عن منصة توجيه الرأي العام؛ لصالح الممثلين والمطربين ولاعبي كرة القدم، ليحدد معالم السياسة الخارجية المصرية أناس على وزن مطربي العنب العنب.
عمومًا كان هذا هو المشهد قبل موقعة أم درمان، وبعد هزيمة المنتخب المصري (التي لم نكن نتمناها)، وما صاحب ذلك من أحداث في السودان إذا بهذه الحالة المفرطه في حب الوطن تأخذ منحًى آخر؛ فالجميع يطالب بالثأر لكرامتنا المهدرة من هذه الدولة المعادية، وشعبها الناكر للجميل.
الفضائيات حولت دفة الحوار من الشحن للتشجيع إلى الشحن بالانتقام من الجزائريين، والضيوف في مزاد مفتوح كل يزايد على غيره في الانتماء وحب الوطن والغضب لأجله، الصحفيون يكتبون على صفحات الجرائد عن الأم التي ضحت وبذلت ونُكِر فضلها من صغارها، الأمر الذي دفع الجماهير الغاضبة إلى محاولة اقتحام السفارة الجزائرية بالقاهرة.
هذه الحالة المفرطة في حب الوطن- والتي ظهرت فجأةً- بسبب مباراة كرة قدم، المجتمع في أشد الحاجة إليها منذ عشرات السنين.
ولكن السؤال المهم هل يستطيع الإعلام بمنصة توجيهه الحالية أن يحشد طاقات هذه الجماهير وأن يوجه انفعالاتها تجاه قضايا هي لا شك أهم وأخطر بالنسبة للجميع؟ لا سيما رجل الشارع الذي يعاني من عشرات بل مئات المشكلات التي لا يرى لها أملاً في العلاج، كيف لو ظهرت وطنية الجماهير في الحفاظ على ممتلكات الوطن من وسائل للمواصلات ومؤسسات وشوراع وكهرباء ومياه.. كيف لو ظهرت وطنية الجماهير في الغضب عندما تُنتهك حدودنا الشرقية ويقتل جنودنا، كيف لو ظهرت وطنية الجماهير عندما يقتل منا المئات في القطارات أو العبارات.
فالمواطن الذي يسطو على المال العام هو نفسه صاحب العلم والأغنية والهتاف والصواريخ والبمب، الشاب الذي يتعامل مع ممتلكات الشعب وكأنها عدو له فما لبث يخرِّب الأتوبيسات العامة والمرافق وغيرها هو نفسه المواطن الذي يزايد على غيره في أسمى معاني الوطنية، الموظف الذي لا يقضي حوائج الناس إلا إذا أخذ العمولة- الرشوة- هو نفس الموظف الذي يعتصر قلبه ألمًا على مصر، المواطنون الذين قتلوا بعضهم البعض أمام أكشاك توزيع الخبز هم نفس المواطنين الذين ينادون بالثأر لمن ضرب في السودان.. والحديث في هذا يطول، حتمًا هذه هي الوطنية التي نحن في أشد الحاجة إليها لإنقاذ ما تبقى من هذا الوطن، نحتاج الوطنية للوقوف في وجه هذا العبث بعقول الفقراء والبسطاء، نحتاج الوطنية للحاق بقطار التقدم الذي مرَّ على وطننا منذ سنوات ولا أمل في الأفق أن نكون- حتى في السبنسة-، نريد الوطنية لتعود مصر دولة ذات ريادة على المستوى العالمي، نريد الوطنية لتعود للمواطن المصري كرامته وهيبته في كل أنحاء الدنيا لا أن يصبح طعامًا للأسماك في بطون البحار، نريد الوطنية لـ........ لا الوطنية على منهج كرة القدم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق