صحيفة الرؤية الكويتيه الأحد 5 ذوالحجة 1430 – 22 نوفمبر 2009
درس الصين الذى لم نتعلمه - فهمى هويدى
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2009/11/blog-post_21.html
الكتابات التي تابعت وقائع مؤتمر شرم الشيخ الأخير حول الصين وأفريقيا ركزت على التعاون مع الصين دون التعلم منها. علما بأن مسألة «التعاون» هذه محل نظر، لأنها لا تعني إلا أحد أمرين تقديم المساعدات الصينية إلى دول القارة، أو فتح أسواق تلك الدول أمام السلع الصينية، وهو ما يجعل اليد العليا للصين في الحالتين، في حين تظل اليد السفلى من نصيب كل دول القارة. وقد ذهبت بعض صحفنا في المبالغة حدا جعل إحداها تصف انعقاد المؤتمر باعتباره «تحالف الأصفر والأسود»، وهو ما ذكرني بتعليق للشيخ محمد الغزالي سمعته منه حين قرأ في إحدى الصحف أن وزير الخارجية لإحدى الدول العربية اجتمع مع «نظيره» الأميركي. إذ قال ضاحكا: نظيره مرة واحدة، ما الدليل على ذلك؟!لسنا بصدد تعاون ولا تحالف، لأننا لسنا في موقف الأنداد، كما أن الصين ليست جمعية خيرية تتبرع بالعون ولكنها دولة كبرى لها مصالح وأهداف استراتيجية تتوخاها، ولا يعيبها ذلك. وهي النجم الصاعد الذي يعمل الجميع حسابه في القرن الواحد والعشرين، ولا غضاضة في الاستفادة من معوناتها وخبراتها، وهذه الاستفادة ينبغي أن تكون واعية وحذرة، بحيث لا تؤدي مثلا إلى تعزيز الوجود البشري الصيني الذي ظهرت مقدماته في عدد من العواصم الأفريقية، وهي الملاحظة الصائبة التي عبر عنها وزير الخارجية الليبي موسى كوسا، عقب الجلسة الافتتاحية لمؤتمر شرم الشيخ.لست مشغولا في الوقت الراهن بتكييف العلاقة مع الصين، ولكني تطرقت إلى نقد مسألة التعاون والتحالف من باب التعبير عن الغيظ فقط إزاء استخدام مفردات اللغة في التدليس على القارئ وإعطائه انطباعات مغلوطة، بحسن أو سوء نية، ذلك أن شاغلي الأساس ينصب على درس الصين وليست منتجاتها أو معوناتها. ذلك أن الخبراء المتابعين للتجربة الصينية لهم كلام كثير حول العوامل التي أدت إلى إنجاحها بالشكل المثير الذي تشهده الآن، لكن ما يهمني في هذه العوامل أمران تمنيت أن نستعيدهما ونسلط الضوء عليهما في مناسبة انعقاد المؤتمر، الأمر الأول أن الزيادة السكانية ليست عبئا دائما ولا هي كارثة إلا عند الذين يفشلون في التعامل معها، وتحويلها إلى طاقة إنتاج مضافة، وهذه الزيادة تشكل عائقا يحول دون التقدم في حالة واحدة. تتمثل في فشل السلطة التي تدير المجتمع في استثمارها على نحو رشيد، بحيث تتحول إلى رافعة للتقدم وليس قيدا يكرس التخلف.ان المسؤولين في بلد مثل مصر لا يكفون عن تقريع المجتمع لأن نموه السكاني يصدمهم ويفشل خططهم للتنمية، في حين أن معدلات النمو معروفة للكافة ولا مفاجأة فيها. والمفاجأة الوحيدة انهم يخفون عجزهم عن تلبية احتياجات ذلك النمو ويستعيضون عن ذلك بلوم الناس والتنديد بهم، ورغم فشلهم هذا، فإنهم يظلون متمسكين ببقائهم في السلطة وإصرارهم على احتكارها. يشجعهم على ذلك أنهم مطمئنون إلى أن أحدا لن يحاسبهم على عجزهم وفشلهم.الأمر الثاني أنه ليس في التقدم سر لأن قوانينه معروفة والشرط الوحيد المطلوب لتحقيق النهوض باستخدام تلك القوانين هو توافر العزيمة الجادة والإرادة المستقلة. وهي النقطة التي ألمحت إليها في المؤتمر الذي عقد أخيرا في دبي لإطلاق تقرير المعرفة العربي لعام 2009 الذي صدر بالتعاون بين البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد. وكان التقرير قد أكد على ضرورة توافر ثلاثة عوامل لتحقيق النهضة، هي المعرفة والحرية والتنمية. إذ قلت إن تلك عوامل مهمة لا ريب، لكن تجربة الصين أثبتت أن التنمية يمكن أن تتم في غيبة الحرية، وأنه إذا توافرت العزيمة والإرادة المستقلة فإن ذلك الهدف يمكن بلوغه بغير عقبات. وليس ذلك إقلالا من شأن الحرية التي تكفلها الديموقراطية، والتي توفر للتنمية بعدا إنسانيا ضروريا، وإنما تأكيدا على دور الإرادة المستقلة في إطلاق عملية التنمية، وكون التلازم ليس شرطيا بينها وبين الحرية.لا يعيبنا ألا نكون أندادا للصين أو لغيرها من الدول الكبرى، لكن يعيبنا أن ندعي لأنفسنا ندية مزيفة، كما يعيبنا ألا نتعلم من خبرات غيرنا وفضائلهم لكي نعزز من قدراتنا الذاتية، بما يحقق النهوض لأمتنا ويحفر لها مكانتها في مجرى التاريخ، بدلا من أن تبقى خارجة أو متفرجة عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق