- د. أحمد فؤاد باشا: صاحب مشروع فكري متكامل ركيزته "العلم والإيمان"
- د. محمد عمارة: فيلسوف إسلامي وإنساني وصاحب تجربة في المعاناة الفكرية
- د. حلمي القاعود: صاحب رحلة كفاح وعمل وأزمات أعطته قوة ولم تضعفه
- د. عبد الرحمن البر: ساهم في هداية العديد من غير المسلمين لاعتناق الإسلام
- د. خالد فهمي: شكَّل وعي المرحلة العمرية للشباب على مدار ثلاثة أجيال متعاقبة
تحقيق- شيماء جلال:
رحل عن عالمنا الأديب والكاتب المبدع والفيلسوف العبقري والطبيب والعالم الشهير الدكتور مصطفى محمود الذي وافته المنية صباح السبت الحادي والثلاثين من أكتوبر 2009م عن عمر تناهز الثمانية والثمانين عامًا بعد صراع طويل مع المرض.
اسمه بالكامل مصطفى كمال محمود كان ميلاده في 25 ديسمبر سنة 1921م؛ بشبين الكوم بمحافظة المنوفية، والتحق بالمدرسة الأولية بها، وفيها تعلم القراءة والكتابة وحفظ سورًا من القرآن الكريم، بدأ حياته متفوقًا في الدراسة؛ ومن المواقف المؤثرة في تعليمه أن مدرس اللغة العربية ذات مره قام بضربه فغضب وانقطع عن الدراسة مدة ثلاث سنوات إلى أن انتقل هذا المدرس إلى مدرسةٍ أخرى فعاد مصطفى محمود لمتابعة الدراسة.
وبالقاعدة التي تؤكد من شبَّ على شيء شاب عليه؛ أنشأ له والده معملاً صغيرًا يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الحشرات، ومن ثم يقوم بتشريحها، وحينما دخل الجامعة اشتهر بوقوفه أما المشرحة وأطلقوا عليه "المشرحجي" حيث كان دائمًا ما يبحث عن الموت وأسراره.
وقدَّم أكثر من 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير (العلم والأيمان)، الذي حقق صدى واسعًا على المستويات العربية والدولية؛ وارتبط اسمه برعاية الفقراء والمساكين فأنشأ عام 1979م مسجدًا باسمه بحي المهندسين، وكان بمثابة مركز إسلامي شامل يضم "مركزًا طبيًّا؛ ومتحفًا؛ وقاعة محاضرات".
(إخوان أون لاين) يسجل في السطور في التالية شهادات معاصري الدكتور مصطفى محمود.
عالم موسوعي  |
د. أحمد فؤاد باشا |
في البداية أعرب الدكتور أحمد فؤاد باشا العميد السابق لكلية العلوم ورئيس جمعية التراث العلمي للحضارة الإسلامية عن بالغ حزنه، وأساه لفقد العالم الكبير مصطفى محمود، وبدأ كلامه معنا قائلاً: "إن العالم الجليل غني عن التعريف وإن سردنا مئات الصفحات عنه فلن تكفي في الحديث عن أعمال وإسهامات الدكتور مصطفى محمود؛ فهو صاحب مشروع فكري متكامل سعى لتحقيق التنمية البشرية والمجتمعية على أساس العلم والإيمان".
وأضاف أن العالم مصطفى محمود تميز بأنه صاحب منهج نظري؛ فكان لسان قوله "الإسلام هو الإيمان والتطبيق"، فطبق الإسلام كمنهج حياه؛ فكان عالمًا موسوعيًّا وتعد تلك الصفة عملة نادرة بين علمائنا في ذلك العصر.
ويصف د. فؤاد باشا الدكتور مصطفى محمود بأنه صاحب رحلة طويلة وكبيرة من الفكر؛ وكانت تلك الرحلة مجسدة في صورة مؤلفات مبسطة وبرامج تليفزيزنية ومقالات أفادت جميع المفكرين في المشرق والمغرب خاصةً في تلك المرحلة التي برزت فيها كتاباته فضلاً عن تميز أسلوبه بالتجديد والتنوع الفكري في ظل ضآلة الثقافة العلمية والإسلامية في ذلك الحين.
وأرجع الاهتمام بكتابات وبرامح الدكتور مصطفى محمود إلى أسلوبه الذي كان يتميز به فكان أسلوبه العلمي مدعمًا بجرعة إيمانية ووجدانية جعلته يستقطب جمهورًا عريضًا من مختلف الفئات العمرية والتيارات الفكرية.
وقال د. فؤاد باشا: لقد التقيت مصطفى محمود منذ عشر سنوات حينما تم انتخابه عضوًا للمجمع العلمي المصري تقديرًا لمجهوداته، ولكن لم يدر بيننا حوار حيث كانت علامات المرض والإعياء بدات في الظهور عليه ومن ثم دخل في مرحلة انعزال عن المجتمع حتى توفي في صمت وكأنه ريح طيبة مرت وسرت بنا ثم ذهبت عنا.
واختتم د. فؤاد باشا كلامه معنا عن العالم الجليل بأنه كان صاحب شخصية موسوعية متنوعة ومتعددة الأفكار، وقال: يكفيه ترحاله وسفره للبلاد البعيدة مثل فرنسا وألمانيا من أجل أن يحصل على مادة لبرنامجه العلم والإيمان.
وطالب د. فؤاد بإعادة بث حلقات برنامجه "العلم والإيمان" حتى تستفيد منها الأجيال الحالية.
الفيلسوف  |
د. محمد عمارة |
المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة في أول اتصال لنا معه لم يكن يعرف خبر وفاة العالم مصطفى محمود ولم يتمكن من الحديث معنا سوى اليوم التالي وحينها دعا الله سبحانه وتعالى في استهلال حديثه أن يغفر الله له ويجعل علمه في ميزان حسناته، موضحًا أن العالم مصطفى محمود هو أحد فلاسفة عصره؛ فضلاً عن كونه فيلسوفًا إسلاميًّا وإنسانيًّا، وصاحب تجربة في المعاناة الفكرية فجعلته من أفضل الذين درسوا الآخر وتصدوا لافتراءاته على الإسلام، فكان واحدًا من الذين تميزوا بكونه مؤسسًا فكريًّا للعمل الخيري بالإضافة لكونه واحدًا من أفضل الذين وقفوا موقفًا متوازنًا ضد الغلو الديني واللاديني.
وعن نجاح الدكتور مصطفى محمود أكد د. عمارة أن العالم الجليل كان من أنجح الذين بلغوا الفكر العميق إلى جمهور واسع من القراء والمشاهدين؛ وذلك بسبب تفرده بالجمع بين الفهم العميق للفكر الإسلامي والأسلوب الفلسفي والحاسة الفنية التي تستشعر الجمال الذي خلقه الله في كونه.
وعن المناظرة التي عقدها معه ذكر د. عمارة قائلاً: "كانت علاقتي معه قبل المناظرة وبعد المناظرة علاقة طيبة وجيدة؛ وكان الحوار معه مثمرًا ومفيدًا لكلٍّ منا؛ وحينما انتهينا من المناظرة وصفته بأنه فارس من فرسان الفكر يستوعب الآخر؛ وكان أوابًا حينما يستمع للفكر الجديد ويقتنع به ما دام صحيحًا وسليمًا ويتفق مع الإيمان".
روحه متطلعة  |
د. حلمي محمد القاعود |
ويصف الكاتب الكبير الدكتور حلمي القاعود روح الكتابة لدى العالم مصطفى محمود فقال: "إنه صاحب روح متطلعة للعلم والمعرفة؛ ينطلق من التفكير الإنساني حتى يصل لطريق المعرفة السليمة المرتبطة بالإسلام".
وعن رحلة كفاحه وجهاده المتواصل مع العلم كان برنامجه الشهير "العلم والإيمان"؛ قال د. القاعود: إن الدكتور مصطفى محمود منذ صغره وهو يبحث عن العلم وكافح وجاهد رغم كافة الصعاب وكان من ضمن الأزمات التي واجهته أزمة عدم وجود ممول للبرنامج حيث كان ثمن الحلقة ثلاثين جنيهًا؛ إلى أن جاء رجل أعمال معجب بعمله في البرنامج فتبنى فكرته ومن ثم وصلت عدد حلقاته لأربعمائة حلقة انتشرت لكافة أنحاء العالم.
وأضاف "أنه عانى أيضًا حينما تم عرضه للمحاكمة مرتين بناءً على طلب من الأزهر في عهد الرئيس السادات، ولكن اكتفت المحكمة بمصادرة كتبه فقط؛ ولم يفتر أو يتوقف عن مسيرته بل أكملها ليسطر له تاريخ صفحات مشرقة نسردها ونسطرها له الآن في سجل الذكريات".
أعماله الخيرية  |
د. عبد الرحمن البر |
وأثنى الدكتور عبد الرحمن البر الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر على الدور الجليل للدكتور مصطفى محمود والعلم الذي ساهم في نشره، مبرزًا أنه ساهم في هداية العديد من غير المسلمين للدخول في الإسلام من خلال عدد من الكتب الذي ألفه ككتاب "حواري مع ملحد"، و"رحلتي من اليقين إلى الإيمان".
وتابع د. البر أن مسيرة الدكتور مصطفى محمود وظفت العلم الحديث لصالح تقوية الإيمان والذي ميزه في ذلك أن أسلوبه كان يتميز بانفراده في تناول النواحي العلمية الدقيقة التي يصعب على العقل البشري فهمها، فكان يبسطها ويقدمها لكافة العقول والمراحل الفكرية بشكل مبسط ساهم في توعية قدر كبير من المسليمن بأمور دينهم.
وعن أعماله الخيرية أردف د. البر أن أعماله الخيرية كانت دليلاً وترجمةً فعليةً لدينه ولالتزامه؛ فكان يطبق الإسلام كمنهج حياة في العمل الخيري؛ ويشهد له الصرح الذي أنشأه بمنطقة المهندسين الذي يقدم خدمات للجميع، وخاصةً الفقراء وطلاب العلم، وكأنه ترك لنا بعد وفاته صدقة جارية تظل تمنح له الحسنات حتى بعد وفاته.
تشكيل وعي الشباب  |
د. خالد فهمي |
ويقول الدكتور خالد فهمي أستاذ علم اللغة بكلية الآداب جامعة المنوفية إن د. مصطفى محمود أسهم في تكوين الوجدان العربي والإسلامي المعاصر، ودلل على ذلك بالعديد من الأدلة، ويأتي على رأسها أن العالم العظيم كان بمثابة دليل في علم المعلومات بما يسمى بـ"تكرارية الاستشهاد"، وهذا يدلل على أن حجم تأثير أي عالم في أي مجال يقاس بنسبة الاستشهاد به في المجال العلمي؛ فضلاً عن أنه شكَّل وعي المرحلة العمرية للشباب فيما يقرب من ثلاثة أجيال متعاقبة.
وأشار إلى أن الدكتور مصطفى محمود من الأسماء المضيئة التي ساهمت في تحقيق ظاهرة الصحوة الإسلامية مهما كانت هناك بعض الملاحظات السلبية وتصدى عدد كبير من المتخصصين له إلا أن له إسهامه في تيار الصحوة الذي استصطلح عليه اسم "تيار الوسطية".
واستكمل د. خالد قائلاً: "كان للدكتور مصطفى محمود إسهام واضح وجلي في تأسيس علم العقيدة في صورة عصرية؛ فحلقاته ببرنامج "العلم والإيمان" جسَّد فيها فكرة الإيمان الإسلامي وأعاد بناء الصورة الحقيقية لله عز وجل من خلال استخدامه للعلم التجريبي والتطبيقي، موضحًا أنه أعطى نموذجًا عمليًّا للعالم الملتحم بقضايا الواقع والجماهير لدرجة تجعلنا نقول عنه إنه من القلائل الذين دفعوا بالعمل الأهلي المدني دفعةً عظيمة لكافة الصروح الثقافية والاجتماعية والدينية.
وتعقيبًا على تنوع شخصية الدكتور مصطفى محمود كونه طبيبًا وعالمًا وأديبًا وإعلاميًّا خاصةً أنه حينما سئل ماذا تريد أن تكون الأديب القاص أم المسرحي الفنان أم الطبيب؟ فكان جوابه "أريد أن أكون خادمًا لكلمة لا إله إلا الله".
وأشاد د. خالد بتنوع ثقافة دكتور مصطفى محمود؛ حيث تميَّز بأسلوبه المتميز كإعلامي تليفزيوني وصحفي صاحب كلمة مؤثرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق