علو الهمة...مهمة .. د/أحمد السعيد |
27/07/2009 *د/ أحمد السعيد
"أَيُنْقَُصُ الدينُ وأنا حى"
عالى الهمة صحيح العزيمة والإرادة عندما أطلت الردة برأسها طالبة ً ماليس لها بحق...فكانت هذه الصيحة هى المنطلق الرحب لدعوة ٍ كادت أن تندمل وتنتهى بسبب تكالب الأعداء وقلة الأصحاب والأصدقاء... إن من سمات الدعوات على إختلافها وتنوعها أنها تعتمد على رجال ٍ ذوى آمال ٍ عريضة ٍ ورؤى بعيدة ٍ مغلفة ٍ بهمة ٍ عالية ٍ...ولنراجع تاريخ الأمم والشعوب لنثبت ذلك ونؤكده... أما عن التراث الإسلامى فسنجد أن علو الهمة قد بُنِىَ على صرح ٍ ضخم ٍ فخم ٍ عظيم ٍ متجذر ٍ فى عمق التاريخ البشرى المتواصل والمتعاقب...فهذا نوحٌ ينوح فى قومه...ولايألوا جهداً ليلاً أو نهاراً...سراً أو جهراً...علانية ً أو سراً...فكان العنت الذى دحره علو همة ٍ مزينة ٌ بعزيمة ٍ وإرادةٍ ...وهذا خليل الله إبراهيم يعلى همته ليواجه إهتراءات قومه وإفترائاتهم على رب العالمين...ويواجه نار الكفر والضلال دون أن تلن له إرادة ٌ أو عزيمة ٌُ أو تضعف له همة ٌ أو قناةٌ...ولقد تلاه بعد ذلك زكريا ويحى وموسى وعيسى فكانت عزيمتهم وإرادتهم مع علو همتهم هى المعول الأساسى والرئيسى الذى هدم كذب المكذبين وصراخ وعويل الكافرين...فواجهوا نشر المناشير وقطع الرؤوس ومحاولات الصلب والقتل بنفسية ٍ عزيزة ٍ مدعومة ٌٍ برب السموات والأراضين... وأعقب هؤلاء الأنبياء والمرسلين الكرام إمامهم وخاتمهم...فكانت إرادته ليس لها مثيل...وعزيمته ليس لها شبيه...وصبره ليس له حدود...وطول نفسه كان عميق...وعلى ذلك كله وذاك علو همةٍ شامخةٍ سامقةٍ موصولةٍ برب الأرض والسماء...فكانت السعادة ُ الغامرة ُ لبشريةٍ عانت من ويلات الظلم والإضطهاد والضلال...ونتج عن ذلك رجال ٌ صدقوا ماعاهدوا الله عليه...فانتشر السلام والإسلام...والأمن والأمان على شبه الجزيرة...وإنطلقت الفتوحات لينعم الكون كله برحمة الصديق وعدل الفاروق وحياء عثمان وحكمة على... إن المتأمل فى تاريخ الأمة المحمدية يجد أن علو الهمة هو العامل الحقيقى والجندى الخفى الذى حقق الإنتصار تلو الإنتصار لرجال الأمة...وجعلهم يستهينون عدد وعتاد أعدائهم...ويستحقرون الموت...وللتدليل على ذلك إنظر إلى فعل العمير بن الحمام ببدر ٍ...وكذلك للرد المدوى فى وجه رأس الإمبراطورية الصينية من "هبيرة بن الشمرج" رسول عالى الهمة فاتح بلاد ماورء النهرين "قتيبة بن مسلم" حينما هدده هذا الإمبراطور بإفناء جيش الإسلام المتربص على تخوم إمبراطوريته...فأعلنها هبيرة كالقنبلة المتفجرة المتوهجة قائلاً "أما عن تخويفكم لنا بالقتل...فإننا نؤمن بأن لنا آجالاً إذا حضرت أكرمها القتل"... وهذا ابن الخطاب يوضح عمليا ً معنى علو الهمة ويبينها حين قال"إن نمت بالليل ضيعت نفسى وإن نمت بالنهار ضيعت رعيتى"...ويعلنها أنه مسئولٌ أمام رب الدنيا والأخرة عن كل شىء ٍ بدولته حتى ولوكانت دابة ٌ متعثرة ٌ بأرض العراق...وانظر إلى الطريد الشريد الهارب الملقب بصقر قريش"عبد الرحمن الداخل" حينما وطأت قدمه أرض الأندلس فأقام دولته الأموية الثانية وحيداً منفرداً بغير معين ٍ إلا رب العالمين...وعندما أوتى له بجارية ٍ حسناءٍ بارعة ِ الجمال ِ قال مقولته الشهيرة "والله أنها لبمكان ٍ بالقلب والعين...ولكن إن شُغلت عنها بما هو أهم منها ظلمتها...وإن شُغلت بها عما هو أهم منها ظلمت همتى...ردوها إلى صاحبها فوالله ليس لى بها حاجة "... إن مرد علو الهمة هو النفس والقلب...وإن مكانتها للأفعال والأعمال كمكانة الملك برعيته المحبين والمقربين الممتثلين لأوامره والمرتضيين بطاعته...فإن دلائل الهمة وآثارها تظهر على الجوارح والأعمال والأفعال والأقول...فإن علت علوا...وإن تدنت دنوا...وكل ذلك كان له من نتائج النجاح والفلاح أو الفشل والسقوط... ومن المؤكد أن علو الهمة يتركز فيما يهم المرء ويملأ كيانه وفكره...فهذه أم سليم ترد من لايرد رافضةً خطبته إياها إلا إذا أسلم لله رب العالمين...وهذا ابن العزيزيفصح عن مكنون نفسه التواقة كيف أنها لاتهدأ إلا بمعالى الأمور...وليس هناك أعلى وأعظم وأفضل من جنات الله ورضاه... فعلى قدر أهل العزم تأتى العزائم وتأتى على قدر أهل الكرام المكارم وتعظم فى عين الصغير صغارها وتصغر فى عين العظيم العظائم وفى وقتنا الحاضر...ولما تعانيه الأمة من ضعف وخوار وغفلة...فإن حاجة الأمة بشكل ٍ عام والدعوة بشكل ٍ خاص إلى عالى الهمة...كحاجة الإنسان للهواء والسمك للماء...فمن دون ذلك تموت الأمم وتندثر الدعوت... وليس من الضرورى أن يكون كل المنتمين لقافلة الدعوة من ذوى أصحاب الهمم العظام والتكاليف الجسام ولكن كلٌ حسب إمكانياته وحدوده... مع التسليم بأنه من بدء بضعف همة خُشى عليه أن يكون من قافلة المتاسقطين فى طريق الدعوة...فمن صَلُحَتْ بدايته صَلُحَتْ نهايته... ويجب على الدعوة أن توظف كل هذه الطاقات والإمكانيات بما يعلى من شأن الدعوة وينصرها على من عادها من أذناب الأشخاص أو الهيئات أو الحكومات والأنظمة...وأن تغتنم أصحاب الهمم والعزائم لتصل إلى ماترنوا إليه من أهداف وغايات... إن علو الهمة هى مهمة من إرتضى لنفسه أن يسير فى ركب المجاهدين والدعاة...ومن حمل على عاتقه آمال الأمة وغاياتها العظام...ومن عرف طبيعة الطريق الطويل والشاق والمحفوف بالمخاطر والإبتلاأت...والبعيد عن المغانم الدنيوية والمصالح الشخصية والمنافع الذاتية...لذا وجب على كل من ترسم طريق الدعوة وإرتضى بركبها أن يتخذ من الوسائل المعينة على إكتسابه لها أو إعلائه لقدرها بداخل قلبه ونفسه وذلك بذيادة القرب من ربه الذى بيده ملكوت كل شىء وهومالك القلب والعقل والنفس والجسم...وكذلك بالصبر والتصبر...وبالحرص على البيئة والمناخ المحيط المملوء بكل أشكال النشاط والفعاليات...وكذلك بإعطاء الدعوة ومتطلباتها الأولوية القصوى والوقت الأعظم من حياة الداعية وإهتماماته...وكذلك بمطالعة سير أصحاب الهمم والعزائم...ومصاحبة من إتسموا بحرصهم وعزيمتهم...وأخيراً وليس آخراً: ومن لايحب صعود الجبال....يعش أبد الدهر بين الحفر * أكاديمي مصري |
HELP AQSA
السبت، 14 نوفمبر 2009
علو الهمة...مهمة .. د/أحمد السعيد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق