- الاعتقالات تهدِّد بنقل مقر "الأطباء العرب" من مصر
- أدعو "عقلاء" الوطني والنظام إلى الحوار مع الإخوان
- لم نسيّس "اتحاد الأطباء" ونعمل تحت "لافتة مصر"
- سجن "المرج" فضح حال السجون المصرية
- الاعتقال جعلني طبيبًا متخصصًا في طبق الفول
- د. وهدان زرع أشجار المانجو وأهداها لإدارة السجن
حوار- خالد عفيفي:
"نحمل الخير للبشرية، ولكن يبدو أن البعض في مصر لا يحبون الخير لمصر"، كلمات عظيمة يجب أن يكون من قالها على نفس الشاكلة، ولما لا عندما نعلم أن صاحبها هو الدكتور جمال عبد السلام مقرر لجنة القدس، ومدير المشروعات باتحاد الأطباء العرب.
شخص قلما تجتمع في مثله تلك الصفات؛ فهو يجمع بين بشاشة الوجه ودفء المشاعر الذي يجعلك تحس أنك تجلس بجوار أبيك أو أخيك، وبين القوة والصرامة في الحق والإصرار على العمل "في النور"؛ لإيمانه بأن عمله لخدمة دينه ووطنه وأهله.
رحلات مكوكية خاضها د. عبد السلام خلال نشاطه الإغاثي الواسع منذ عام 1994م، زار فيها عددًا من البلدان العربية والإسلامية؛ ليحنو على طفل يتّمته الحروب والصراعات، أو يحمل طعامًا لمرأة رمَّلتها كوارث الطبيعة.
وشملت تلك البلاد السودان والعراق والبوسنة والصومال وإيران، فضلاً عن مجهوداته داخل مصر في إغاثة منكوبي الكوارث، ومتابعة عدد كبير من المشاريع الإغاثية والإنسانية.
ولكن هذه الرحلات صاحبها حملات همجية واعتقالات وحشية، طالته كرمز من رموز الإصلاح في مصر، وقد اعتُقل د. عبد السلام "مكافأة" على عمله الإغاثي 3 مرات متتالية؛ كان أولها لمدة ثلاثة شهور في عام 2007م، وثانيها في ديسمبر 2008م لنحو شهر ونصف، وآخرها كان في الحملة الشهيرة يوم 28 يونيو الماضي، ضمن ما عُرف إعلاميًّا بقضية "التنظيم الدولي" للإخوان، وأُطلق سراحه صباح يوم الجمعة 13 نوفمبر الجاري.
(إخوان أون لاين) كان أول من التقى د. جمال عبد السلام، وتحدثنا معه عن كواليس القضية، وتفاصيل عمله الإغاثي وأشياء أخرى.. وإلى نص الحديث:
* اعتُقلت في 16 ديسمبر 2008م، ثم في 28 يونيو 2009م، ما أوجه التشابه بينهما من وجهة نظرك؟
** أوجه التشابه بينهما كبيرة؛ لأنهما خاصان بالعمل الإغاثي الخاص بفلسطين، وإن كانت المرة الأولى متعلقة بمشروع الأضاحي وحملة "غزة أوْلى بالأضحية" التي استندنا فيها لفتوى الشيخ علي جمعة مفتي الجمهورية؛ وهي الحملة التي كانت خاصة بغزة، نظرًا للحصار الذي فرضه الاحتلال الصهيوني عليها منذ 2006م، وهو الأمر الذي ضايق عددًا من الأبواق الإعلامية التابعة للنظام، عندما قالوا إن الفتوى خاصة بفلسطين كلها وليس بغزة وحدها.
أما اعتقال 2009م؛ فكان نتيجة المجهود الكبير الذي قاده اتحاد الأطباء العرب ولجنة الإغاثة والطوارئ في علاج وإنقاذ مئات الجرحى الفلسطينيين بعد العدوان الصهيوني على القطاع، والذي أتبعناه بزيارة إلى هناك لتفقد أحوال الجرحى، ونقل من استطعنا منهم للعلاج داخل مصر، فضلاً عن فضحنا للكيان الصهيوني، واستخدامه للأسلحة المحرمة دوليًّا ضد الفلسطينيين المدنيين، وهو "الزخم الإعلامي" الذي أحاط ببعثة الاتحاد إلى غزة.
البداية تخبط!
* ما أبرز ملامح يوم 28 يونيو الماضي؟
** التخبط كان أبرز ملامح هذا اليوم، فبعد أن تمَّ اعتقالنا فجر الأحد 28/6، وقبل صلاة الظهر أخبروني أنا ود. عبد المنعم أبو الفتوح، وم. حازم الجندي، ورضا فهمي أنه سوف يتم ترحيلنا، ووضعوا القيود الحديدية "الكلابشات"، وقالوا انتظروا بعض الوقت، إلا أن هذا الانتظار استمر 24 ساعة كاملة، لا نعرف ماذا سيفعلون معنا؟
وهو أمر يدل بالطبع على تخبط شديد في قرارات القبض علينا، وزاد من هذا التوقع ما سمعناه أنهم أعادوا الحاج عبد الرحمن الجمل إلى المحلة مرة أخرى بعد ترحيله للقاهرة، كما جاءوا بالدكتور علي الحديدي من بورسعيد إلى الإسماعيلية، ثم عادوا به مرة أخرى إلى بورسعيد، وكان واضحًا أن هناك تخبطًا شديدًا.
* كيف استقبلت تهمة "التنظيم الدولي"؟
** هي تهمة غريبة، ولا توجد إلا في مخيلة من اتهمونا بها، وعندما قال لي وكيل النيابة: إن هناك اتصالات بينك وبين المجموعة المعتقلة معي لم أجد ردًّا، إلا أنني لا أعرف 6 من الأسماء التي ذكرها عليَّ، ولم ألتق بهم مطلقًا طيلة حياتي قبل يوم الاعتقال، وللأمانة فهناك واحد منهم وهو د. محمد وهدان رأيته مرة واحدة، عندما كان يزور أخاه المعتقل عبد الله، وكان زميلاً لي في زنزانة السجن عندما اعتقلوني عام 2008م، ولا أعرف من الباقين سوى د. أشرف عبد الغفار بحكم عمله معي في "اتحاد الأطباء"، ورضا فهمي لأنه كان معتقلاً معي في 2007م، والباقون لا أعرفهم ألبتة.
أسئلة مستفزة
* وكيف سارت التحقيقات بعد ذلك؟
** كانت الأسئلة كلها مكررة، وفي موضوع مكرر أيضًا؛ وهو الأمر الذي نأيت بنفسي عن التحدث فيه، فلم أرد على جميع الأسئلة الموجهة لي نظرًا لسذاجتها، مثل سؤال حول كيفية معرفتي بالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح؛ حيث لم يبذلوا مجهودًا في التعرف على علاقتنا الممتدة منذ أن كان رئيسًا لاتحاد طلاب كلية طب القصر العيني عام 1975م، وأنا طالب، ثم العمل معًا بنقابة الأطباء، ثم "اتحاد الأطباء العرب"، كما أنني وفّرت على نفسي عناء الجدال مع النيابة؛ حيث وقعت في هذا الفخ أثناء اعتقالي عام 2008م.
ومن أمثلة هذه الأسئلة أيضًا طبيعة وظيفتي في الاتحاد؛ وهو الأمر المعروف لدى الجميع أني مدير المشروعات بالاتحاد، كما في معظم الهيئات الإغاثية؛ جهات للتمويل "تنمية موارد" وجهات للصرف "مشروعات"، غير أني أجبت على سؤالين فقط؛ لأنهما أثارا استفزازي.
"ترانزيت".. فقط!
* وما هما هذان السؤالان، وبماذا أجبت؟
** الأول؛ أني ترددت على دولة الإمارات للقاء أشخاص بعينهم، باعتبارهم في التنظيم كما ادعى واضع المحضر، فقلت له بالنص: "طيب إيه رأي حضرتك أني لم أذهب إلى الإمارات ولا مرة في حياتي، وتستطيع التأكد من ذلك بنفسك لو سألت سلطات الإمارات، اللهم إلا أثناء عودة بعثة إغاثية لجامعة الدول العربية من رحلة الصومال عام 2007م، حيث مكثنا ست ساعات بالمطار "ترانزيت" فقط.
أما السؤال الثاني؛ فإني ذهبت للسنغال لجمع أموال من أشخاص هناك، وكان ردي واضحًا أني كنت أمثّل مصر في اجتماع للجمعيات الأهلية العاملة في بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي، بالإضافة إلى د. ماجدة الشربيني عن الهلال الأحمر المصري.
* وهل حدث بينك وبين أحد ضباط أمن الدولة حوار بعد تحقيقات النيابة؟
** عندما انتهينا من التحقيقات في أول يوم، تحدّث معي أحد الضباط، وسألني عما جرى في التحقيقات، وعندما أخبرته كان رده: "دي فرصة كويسة ليك، أدينا عرفّناك على ستة جداد من الإخوان"، وهذا يؤكد أن القضية منذ بدايتها مضروبة، ولا أساس لها من الصحة، ومبنية على محاضر تحريات ضباط أمن الدولة بلا سند قانوني أو دستوري أو دليل مادي واحد.
فضيحة السجون
* بعد ترحيلكم إلى سجن المرج.. هل واجهتم أية معاناة؟
** بالنسبة لإمكانيات سجن المرج؛ فهي أفضل بكثير من سجن مثل "المحكوم"، ولكن المشكلة تكمن في إدارته التي تتعنت مع معتقلي الإخوان، بدءًا من عزلنا في زنازين غير متصلة بباقي الإخوان أو بغيرهم، مرورًا بمنع الثلاجة التي طلبناها من نقابة الأطباء لحاجتنا إليها، نظرًا لوجود 3 من المعتقلين مرضى بالسكر، والتي سلمتها النقابة للسجن بعد يوم واحد من طلبنا، إلا أننا استلمناها من إدارة السجن في شهر سبتمبر، وتحججت إدارة السجن بأن هناك "إجراءات" معينة لا بد من اكتمالها، قبل أن تدخل الثلاجة الخدمة، وبصفتي طبيب باطنة وسكر، فقد أوقفت العلاج بالأنسولين، نظرًا لعدم وجود ثلاجة وصرفنا للمرضى حبوبًا من مستشفى السجن بديلاً للأنسولين.
ومن ضمن ما أثّر علينا في تلك الفترة؛ هو إصابة أيمن الدسوقي أحد إخوان السويس بنوبة سكر؛ حيث أبلغنا أحد الإخوة في زنزانة مجاورة أنه وقع مغشيًّا عليه، فمكثنا ندق على الأبواب حتى يسمحوا لطبيب منا أن يعالجه، وبعد حوالي 45 دقيقة فتحوا لنا الباب، وذهبت إليه فوجدت ضغط الدوم لديه مرتفعًا بشكل كبير؛ حتى وصل إلى (170/110)، وكان في حالة يُرثى لها، وبدأت أتعامل مع حالته حتى استقرت، وانخفض الضغط بشكل تدريجي.
وهذا يدل على الحالة السيئة التي وصلت إليها السجون؛ حيث لا يوجد في معظم الأوقات طبيب بالسجن، فضلاً عن خلو الزنازين من زجاج الشبابيك؛ الأمر الذي عانينا منه مع زيادة برودة الجو في الأيام الماضية.
خلية النحل
* الزنزانة (2) عنبر (ج) بسجن المرج أو ما أُطلق عليها "خلية النحل"؛ ماذا كان يدور خلف جدرانها؟
** أولاً احتجزونا (مجموعة التنظيم الدولي) في هذه الزنزانة بعيدًا عن أي معتقل من الإخوان، ولم يسمحوا لأحد بدخولها، وكانت عبارة عن خلية نحل لا تهدأ، ويغلب فيها روح الفكاهة والأخوة والتعاون والأمل والتفاؤل، بالإضافة إلى تنظيم مواعيد الصلوات والنوم والقيام وقراءة القرآن ونشيد يومي للفنان الشاب رضا فهمي وحفل سمر أسبوعي يوم الخميس، وهناك مواعيد للطعام وغسل الصحون وتنظيف الزنزانة والفقرة الرياضية في الصباح، وهي المهام التي وزّعناها علينا جميعًا، وكان الحاج عبد الرحمن الجمل مشرفًا علينا، كما كنا ننتخب كل شهر تقريبًا مسئولاً للزنزانة بالاقتراع السري المباشر.
وفي حملة النظافة الأسبوعية للزنزانة، كنا نخرج فيها الفراش أو ما يسمونه في السجن بـ"المتاع"؛ لتنال منه أشعة الشمس للقضاء على حشرة الفراش، ثم نعيده مرة أخرى بعد تنظيف الزنزانة.
دكتوراه في الفول!!
* وماذا كانت مسئوليتك؟
** كانت إعداد طعام الإفطار، وهي المهمة التي أبدعت فيه، بفضل الله أولاً، ثم بشهادة إخواني؛ حيث حضّرت لهم كل أنواع الفول المدمس مرة بالطماطم وأخرى بالليمون وثالثة بالبصل؛ لدرجة أني أستطيع التقدم برسالة "دكتوراه" في الفول لكلية الاقتصاد المنزلي!!
* لا بد أن يحفل هذا الجو بمواقف طريفة، اذكر لنا أحدها؟
** من المواقف الطريفة التي أذكرها أن كلاًّ منا كان له كوب خاص به، يكتب عليه اسمه بالقلم "الفلوماستر"، فكان الشباب يكتبون على كوب الحاج عبد الرحمن الجمل عبارة "التنظيم الدولي" سخرية من التهمة الموجهة إلينا، خاصة أنه الرجل الذي يبلغ من العمر 71 عامًا، وأقصى مسافة سافرها كانت من المحلة إلى طنطا والعكس، وأول مرة يتم القبض عليه!!
ونتيجة لتداول الخبرات أشرف د. وهدان على زراعة عدد من أشجار "المانجو" داخل السجن وأهديناها إلى إدارة السجن، وقلنا لهم إن الشهيد سيد قطب هو من زرع أكبر شجرة مانجو في سجن الليمان، ونحن زرعناها اليوم لتنمو وتثمر، ويستفيد منها الناس.
ألم وأجر
* كيف استطعتم تحويل الألم الذي أصابكم لفراق الأهل والإضرار بالمصالح إلى هذا الجو الذي يشعرنا كأنكم في نزهة لا اعتقال؟!
** كل منا كانت له ظروفه الخاصة التي يعاني منها، فمنّا من ترك أولاده الصغار، وآخر ترك زوجة مريضة، ومنا من أُغلقت مصانعه وشُرد العاملون بها؛ ولكن على الرغم من الألم والمسئوليات كنا نسترجع دائمًا قولاً "حتمًا سيزول الألم ويبقى الأجر"؛ فمهما زاد الألم لا بد له من نهاية، ويبقى الأجر في الآخرة، وما جعلني كذلك هو حالة التفاؤل التي سيطرت عليّ منذ لحظة اعتقالي، واليقين بأن الله عزَّ وجلَّ سيفرجها قريبًا.
إعلام مسمم
* كيف استقبلتم التعامل الإعلامي مع القضية؟
** أرى أن الصحف الحكومية وبعض الصحف الخاصة قادت حملة شرسة، وانساقت الأقلام الخبيثة المدفوعة بمصالحها الضيقة وراء تسريبات الأجهزة الأمنية الذي كانت مذكرة تحرياته هي دليل الاتهام الوحيد ضدنا، وتخلت هذه الصحف خلال الحملة عن كافة الأعراف والتقاليد الصحفية والإعلامية المتبعة في مثل هذه الأمور؛ سعيًا وراء رضاء البعض عنهم.
وضخّمت الآلة الإعلامية الحكومية من الحدث، وجعلت منه "مانشيتات" لأيام وأسابيع متتالية، وها هو قضاء مصر الشامخ العادل قال كلمته وبرَّأ معظم المُدانين في القضية، ولم يبق على ذمتها سوى 4 فقط.
شعار واحد
* ننتقل إلى عملك الإغاثي الذي تسبَّب في الاعتقالات المتكررة لك، فهناك اتهامات تُوجه لك ولغيرك من العاملين بـ"اتحاد الأطباء العرب"؛ أنكم نجحتم في "تسييسه"، أي تحويله منبرًا سياسيًّا للإخوان المسلمين؟
** هذه التهمة تمَّ توجيهها لي على خلفية اعتقالي في ديسمبر 2008م، بتهمة تكوين بؤرة لحركة حماس في مصر، وهي تهم باطلة تمامًا؛ لأننا نعمل في الخارج باسم مصر، وعندما تمَّ عرضي على محكمة الجنايات في تلك القضية رأى القاضي بنفسه أثناء إحدى القوافل بالصومال عام 2007م، واللافتة خلفنا تحمل شعار "هدية من شعب مصر إلى الشعب الصومالي الشقيق"، ومثلها في أي مكان نذهب إليه ليس لنا إلا هذا الشعار، ولا نعمل تحت أي مسمى آخر، فأين التسييس؟!!.
وشهد الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء بنفسه أنني في عملي الإغاثي لم أفرّق في السودان مثلاً بين شماله وجنوبه، وفي فلسطين بين أتباع حماس وفتح، وفي لبنان بين السنة والشيعة والمسيحيين.
وخير مثال لذلك في فلسطين، وخاصة فيما يتعلّق بدعم حماس، أنا أعمل في الإغاثة منذ عام 2004م، ومن هذا التاريخ حتى فرض الحصار في 2006م كنا نتعامل مع حركة فتح باعتبارها كانت مسيطرة على قطاع غزة، ولم تحدث وقتها أية مشاكل أو مضايقات، فنحن نتعامل مع الشعب الفلسطيني وليس مع فصيل دون آخر.
* ولماذا إذن هذا التضييق عندما سيطرت حماس على قطاع غزة؟
** هذا سؤال جيد؛ ولكن يجب أن يتم توجيهه إلى الحكومة، فأنا أتعامل مع الشعب المصري الذي يتبرع لشقيقه الفلسطيني، من خلال إيصالات رسمية موثقة يتم تحويلها مباشرة إلى مشروعات إغاثية، وأنا أتساءل: هل عندما نضع جهازًا طبيًّا في مستشفى بغزة سيعالج هذا الجهاز المنتمين لحماس دون غيرهم حتى لو كانوا من أتباع فتح؟! فضلاً عن أن تعاملنا مع الحكومات ضئيل للغاية؛ لأن أغلبه يتم مع الجمعيات الأهلية العاملة هناك، والتي تخدم الشعب الفلسطيني بغض النظر عن انتماءاته السياسية أو العرقية أو حتى الدينية.
مصر.. أولاً
* وهل هذا هو نفس تعاملكم داخل مصر؟
** في عام 1993م عندما حدث الانهيار الصخري الأول بالدويقة، ومات عدد كبير من الإخوة المسيحيين، وكنا أول هيئة إغاثية تصل إلى المنطقة، وتلقينا رسالة شكر مكتوبة من الكنيسة القبطية بالمنطقة على مجهودات الاتحاد في انتشال الجثث وعلاج الجرحى، وتقديم الطعام والكساء لهم، وتكرر الأمر ذاته في انهيار 2008م؛ حيث أقمنا خيمة ضخمة لخدمة الأهالي تحت مظلة الاتحاد، وقدَّمنا الوجبات الساخنة (في رمضان) للجنود العاملين هناك.
وأوجه كلمتي هنا لأصحاب تلك الاتهامات، وأقول لهم: إذا كان الشعب المصري لا يثق بنا ففي مَنْ يثق الشعب المصري عندما نجمع منه 8 ملايين جنيه في أيام قليلة؟!
وبالمناسبة فإن معلبات مشروع الأضاحي العام الماضي تم تصنيعها في نيوزيلندا، وتم تعبئتها هناك أيضًا لإرسالها إلى فلسطين مباشرة دون مرورها بمصر؛ ولكننا طبعنا على المعلبات علم مصر، وكتبنا عليه عبارة "هدية من الشعب المصري إلى الشعب الفلسطيني الشقيق"؛ لأنها أموال المصريين وليست أموالنا.
وخلاصة القول: إننا نحب مصر، ونعمل لرفعة شأنها وتشريفها في جميع المحافل الدولية، ولا يهمنا ما يقوله المغرضون.
"رُبع" معاملة!!
* في هذا السياق، ماذا تتوقع بشأن منصب الأمين العام للاتحاد في ظل اعتقال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وتأثير الملاحقات الأمنية لكم على استمرار وجود هذا المنصب في مصر؟
** بالنسبة للمقر؛ فإننا استطعنا إعادته للقاهرة عام 2004م، بعد أن كان في تونس منذ 1979م، وبالنسبة للمنصب فإنني لا أتوقع نجاح د. أبو الفتوح في الانتخابات المقبلة، فالأطباء الأعضاء في النقابات الطبية بالدول العربية يستطيعون انتخاب أمين عام من دولة أخرى تُقدّر مَنْ يحملون جواز سفر دبلوماسي، ولديهم حصانة دبلوماسية كأعضاء في المجلس الطبي التابع لجامعة الدول العربية.
ونتمنى في مصر أن يعاملنا النظام ولو "ربع معاملة" أمين اتحاد المحامين أو الصحفيين العرب ذوي المكانة المرموقة والمقار الفخمة، في حين نقبع في مجرد غرف معزولة داخل "دار الحكمة"، ويحدث هذا على الرغم من الترحيب الرسمي بإعادة انتخاب د. أبو الفتوح أمينًا عامًّا للاتحاد، وهو الترحيب الذي لم نجد له أي معنى أو مردود على الواقع الفعلي.
سياسية بامتياز
* يسوقنا الحديث إلى ما يمكن أن نسميه "خذلان" من جانب الجامعة العربية للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح؛ حيث لم تحرك ساكنًَا في الأزمة، رغم الحصانة الدبلوماسية التي يمتلكها تحت مظلة الجامعة؟
** الحقيقة أرى أن الجامعة العربية ترحّب بنا بشدة، ويعمل أمينها العام عمرو موسى على تشجيعنا الدائم، فضلاً عن التعاون والتنسيق القائم بيننا في جهود الإغاثة لأكثر من بلد عربي، وذلك منذ عام 1992م، ولكن المسئولين في الجامعة يدركون تمامًا أن القضية سياسية بحتة وغير متعلقة بأمور جنائية.
توتر واحتقان
* علّقت بعض الصحف على أن الإفراج عنك جاء كمقدمة لتصفية قضية "التنظيم الدولي" بناءً على اتفاقات معينة تمّت بين الإخوان والنظام، ما رأيك؟
** لم يحدث مطلقًا أن تمت اتصالات أو اتفاقات، ولو أن هناك صفقة أو ما إلى ذلك لكانت تمت منذ فترة طويلة؛ حيث جدّدت نيابة أمن الدولة حبسي 15 يومًا في 7 نوفمبر، ولم تأمر بإخلاء سبيلي، ثم ما الصفقة التي تتم بيننا وبين الحكومة؛ ليتم على إثرها اعتقال أكثر من 50 بالدقهلية و35 بالسويس والعشرات بالشرقية، وغيرهم.
وأؤكد أن قضية "التنظيم الدولي" لا تختلف عن أية قضية للإخوان، ولو أراد النظام تخفيف التوتر لكان الأولى به تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق رهائن العسكرية بالإفراج الشرطي لثلاثة أرباع المدة.
الحوار
* من وجهة نظرك؛ كيف يتم إزالة الاحتقان والتوتر القائمَيْن بين النظام والإخوان؟
** لا سبيل في ذلك غير الحوار المباشر، وأنا من هنا أدعو العقلاء والشرفاء في الحزب الوطني الحاكم إلى الضغط على قيادات الحزب لإقامة حوار مع الإخوان؛ لأن هذا التصعيد الأمني لن تجني الحكومة منه شيئًا سوى مزيد من الانتقادات والعلامات السوداء في تاريخ هذا النظام، والإضرار بمصر ومصالحها العليا.
ويجب أن يؤمن النظام في النهاية أن مصر وطن عظيم، يحتاج بشدة إلى جهود أبنائه المخلصين، ويعلم جيدًا أن جماعة الإخوان فئة تؤمن بوسطية الإسلام وحب الأوطان، ولا تريد إلا كل صلاح لحال البلاد والعباد، وهم فئة يشهد لها الجميع على مر التاريخ بنظافة اليد، والنزاهة والشفافية، والدفاع عن الحقوق، وبذل الدماء في فلسطين، وبعدها في السويس، باعتراف لواءات الجيش المصري أمثال جمال حماد.
وعلينا أن نكون كمصريين جميعًا يدًا واحدة في ظل تربص الأعداء من كل اتجاه بنا، ودأب العدو الصهيوني على حشد المزيد من القوة الغاشمة، وغيرها من أساليبه الملتوية لاختراق العقل والقلب المصري.
الأصول العشرون
* يصنّفك البعض على أنك من رموز ما يطلقون عليه بـ"التيار الإصلاحي"، وأن خروجك يمثل صدمة ومشكلة لمن يسمونهم أيضًا بـ"التيار المحافظ"؟!
** هذا كلام غير صحيح بالمرة، ولا يوجد داخل الإخوان مَنْ هو إصلاحي أو محافظ، فقد ذهبت إلى مكتب الإرشاد بعد خروجي، وقابلني الجميع بترحاب شديد وحفاوة بالغة، بداية من فضيلة المرشد العام، مرورًا بالدكتور حبيب، والدكتور محمود عزت، ومعظم أعضاء المكتب.
جموع الإخوان تقودهم في فهم الإسلام رسالة التعاليم للإمام الشهيد حسن البنا وأصولها العشرون، والجماعة- بإذن الله- على قلب رجل واحد، ودائمًا تحكمها الشورى والمؤسسية النابعة من فهمها العميق للإسلام، وأيًّا من جاء خليفة للأستاذ عاكف سيتحمل مسئولياته، ويعمل على إضافة شيء جديد للجماعة والنهوض بها.
أسرة عظيمة
* الزوجة والأولاد.. صمود بلا حدود، كيف تعاملت الزوجة مع اعتقالك المتكرر، وما الذي زرعته في تلك الأسرة حتى يخرج النبت بهذا الصمود والثبات؟
** أولاً: الفضل كله لله عزَّ وجلَّ، وكنا دائمي الدعاء في السجن أن يخلفنا الله بما يخلف به عباده الصالحين.
ثانيًا: أننا نعمل دائمًا على بث تلك الروح في نفوس الأبناء وتربيتهم عليها، ويهون علينا جميعًا تلك المحن آية كريمة نحفظها ونتذكرها دائمًا؛ وهي قول الحق: ﴿وَللهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾ (هود)، وهي الآية التي تلخص حالنا.
أمر آخر؛ أن أبنائي كانوا يجدونني دائمًا في الزيارات مبتسمًا هادئًا متفائلاً، وهو الأمر الذي يعينهم على الصمود أكثر، وهذه الابتلاءات كانت جزءًا من حياة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
* تزوَّج ابنك الأكبر "محمد" وأنت في السجن، على عكس ما يتمنى كل أب؛ كيف تعاملت مع ذلك؟
** إخواني في السجن لم يشعروني إطلاقًا بهذا الأمر؛ حيث تحوّلت الزنازين يوم الجمعة 14 أغسطس الماضي، والذي كان مخصصًا لعقد القران إلى قاعة أفراح، وزّع الإخوان خلالها "الجاتوهات" والمشروبات، وكان حفلاً ضخمًا تبادلوا فيه التهاني والمباركات، وصمموا كذلك على الاحتفال بي في يوم البناء؛ حيث أجلسوني على كرسي باعتباري "العريس"، وبلغ عددنا نحو 70، وأقاموا لي "زفة".
وكان يريد نجلي تأجيل عقد قرانه، وكذلك تأجيل زفافه إلا أنني أصررت على إتمام الزواج في 31 أكتوبر الماضي، نظرًا للعبة "الكراسي الموسيقية" التي تبادلناها أنا وأخي الفاضل ياسر عبده والد العروس في السجون؛ حيث يُعتقل أحدنا فيخرج الآخر والعكس صحيح.
القدس
* باعتبارك مقرر لجنة القدس باتحاد الأطباء العرب، ما خطتك المستقبلية لمواجهة الاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى والمدينة المقدسة؟
** لقد أعددنا خطة طموحة جدًّا كانت ستبدأ من شهر يونيو الماضي، ولكن جاء اعتقالي ليهدمها، ونحن بصدد تفعيل هذه الخطة، وسنجدّد خلال الفترة القليلة المقبلة انتشار اسم لجنة القدس ومشروعاتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق