- هشام القاضي: الجماهير تناست قضايا الأمة من أجل 90 دقيقة!
- حسن المستكاوي: العرب جعلوا من ألعابهم حروبًا ومن حروبهم ألعابًا
- د. علاء صادق: الإعلام تسبَّب في الأزمة وبيده الخروج منها
- د. صفوت العالم: ممارسات الجماهير نقلت المباراة من الملعب للصحف
تحقيق- إسلام توفيق:
"مباراة عادية كأي مباراة".. هو التوصيف الصحيح لمباراة يوم 14 نوفمبر المقبل بين منتخبي مصر والجزائر؛ ولكنها مباراة يتحدد من خلالها من يتأهل لنهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا 2010م.
المباراة التي من المفترض أن تكون بين شقيقين عربيين وإسلاميين، انتقلت من ملعب كرة القدم إلى الصحف والفضائيات والإذاعة ومواقع الإنترنت والمدونات؛ لتصل إلى حرب ضروس؛ وكأنها معركة حربية بين عدوين، يريد كل منهما أن ينتصر فيها بصرف النظر عن الخسائر.
ولم يقف الاهتمام الإعلامي بالمباراة عند صحف البلدين، بل تعدتها للصحف العالمية التي اهتمت بالمباراة، وكأنها المباراة النهائية لكأس العالم؛ حيث اعتبرت وكالات الأنباء الغربية المباراة المقبلة بين المنتخبين "مباراة كراهية" بامتياز، خصوصًا أن هناك العديد ممن يغذون هذا الأمر من الجانبين!!.
كما وصلت السخونة لدرجة كشف وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط الأسبوع الماضي عن تلقيه اتصالاً هاتفيًّا من نظيره الجزائري مراد مدلسي من أجل مباراة كرة القدم المرتقبة بين منتخبي الدولتين، والتي بات الجميع في البلدين يخشى من أن تتحول إلى كارثة أو على الأقل تؤدي لأزمة سياسية بينهما.
وأعلنت وزارة الخارجية المصرية أن الاتصال تطرق إلى الإجراءات المرتقبة حاليًّا؛ استعدادًا لمباراة مصر والجزائر في إطار تصفيات كأس العالم، وترحيب مصر بالأشقاء والاقتراحات المقدمة من مصر في هذا الصدد!!.
في الوقت نفسه، وتأكيدًا أنها لم تعد مباراة كرة قدم؛ "أرسل الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" تحذيرًا شديد اللهجة لاتحاد البلدين من وقوع أعمال شغب بين الجماهير، مطالبًا بضرورة التحكم الجيد في أفعال الجماهير خلال اللقاء؛ تجنبًا لوقوع صدامات بين الجانبين، وحرصًا على سلامة الوفد الجزائري.
وباسترجاع المواجهات بين الفريقين نجد أن هناك 17 مواجهةً رسميةً بين المنتخبين فازت الجزائر6 مرات، وفازت مصر 4 مرات، وتعادلا 7 مرات، بينما كانت هناك 8 مواجهات ودية، فازت الجزائر في 6 مرات وفازت مصر 4 مرات فيها، وتعادلا مرتين، ولم يسبق لمصر أن فازت على الجزائر في الجزائر في أي مباراة رسمية، ولم يُسبق للجزائر أن فازت على مصر في مصر في أي مباراة رسمية.
(إخوان أون لاين) يفتح ملف المباراة من جديد، ليتساءل عن سبب هذا اللغط الكبير والحرب الشعواء بين جمهور الفريقين؟
"إسفين" |
هشام القاضي |
في البداية، اعتبر هشام القاضي عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، وعضو لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشعب المشادات والمشاجرات التي يتبادلها الجمهوران المصري والجزائري بحرب مؤسفة لا تليق أبدًا لكون الفريقين عربيين مسلمين.
وقال إنه من الطبيعي أن يتحمس كل جمهور لفريق بلده، ولكن ليس هذا هو التشجيع المطلوب؛ وليس السباب والمشادات وضرب "الإسفينات" بين الجمهورين هو طريق فوز أحد الفريقين في المباراة.
وشدَّد القاضي على أن العلاقات بين مصر والجزائر أكبر بكثير من مباراة كرة قدم، تنتهي بانتهاء الـ90 دقيقة، وقال: "من المفروض أن علاقتنا علاقة روح ودم وأخوة، وتربطنا علاقات مودة وإخاء وسلامة صدر؛ وليس روح خناق وشجار وتعارك، فالمباراة ستنتهي وكأس العالم أيضًا سينتهي، ولن يبقى إلا الحب بين الشقيقين".
وتأسَّف القاضي من إهمال الجماهير المصرية للعديد من المشكلات التي تواجهه وتناسيه لكل قضايا أمته وعروبته، وأصبح لا حديث له إلا عن مباراة 14 نوفمبر، وحساب فارق الأهداف، مستنكرًا استغلال بعض الصحف المغرضة لهذه المشاحنات لبيع عدد أكبر من نسخ الطبع أو عمل "مانشتات مفرقعة" لإثارة حماس الجماهير.
وشدد القاضي على ضرورة ألا ينجرف جماهير الفريقين وراء هذه "الأسافين"، وأن يعوا تمامًا أنهم من نسيج واحد وجسد واحد، مشيرًا إلى أن الإعلام الهادف عليه العبء الأكبر في حمل هذه المهمة، وتعريف الشعبين الشقيقين بأن من سيفوز هو الأفضل، وأن جماهير الفريقين سيقفان بجانب مَن يصل إلى نهائيات كأس العالم.
حروب وألعاب |
حسن المستكاوي |
كما اعتبر الناقد الرياضي حسن المستكاوي (صاحب مبادرة تخفيف التعصب الرياضي القائم بين جمهور منتخبي مصر والجزائر) أن الرياضة لم تكن يومًا سببًا في تحريض الجماهير وتحويل المنافسة الرياضية إلى معركة "حربية" يتم خلالها استدعاء أحداث تاريخية معينة، لخدمة شحن النفوس بالبغضاء والتعصب الأعمى.
مضيفًا أن تميز هذا العصر بالانفتاح الكبير على العالم من خلال الثورة المعلوماتية أنتج وسائط إعلامية حديثة، تتيح لأي فرد إمكانية نشر معلومات حقيقية أو كاذبة، دون أن يترتب عليه أية مسئولية قانونية؛ الأمر الذي ولَّد الوضع الذي نشاهده الآن، سواء من خلال استغلال تلك الوسائط أو من خلال بعض المنابر الإعلامية الأخرى التي أضحت تنفخ في النار، وتشعل الحرائق هنا وهناك.
وأضاف: "نحن العرب وحدنا في العالم الذين نجعل من ألعابنا حروبًا ومن حروبنا ألعابًا"، مشيرًا إلى أن 10 آلاف "مهووس ومجنون" من الغوغاء في كل من مصر والجزائر كفيلون بإثارة كل ما يجري هذه الأيام.
وقال إنه مهما كان التشجيع الرياضي حماسيًّا، إلا أنه لا يمكن أن يصل إلى التشنج وحرب إعلامية بين الفريقين، مشيرًا إلى أن المواطن العربي يعاني من شكوك دائمة في قدراته كانعكاس لحالة التردي التي يعيشها، ومن ثم يحاول أن يخرج بمثل هذه "الشطحات".
تخلف |
د. علاء صادق |
وفي الوقت الذي اعترف فيه الدكتور علاء صادق الناقد الرياضي أن هناك أزمةً حقيقيةً دبلوماسية قد تحدث بين البلدين الشقيقين بسبب مباراة كرة قدم، إلا أنه عاد وأكد أن هذه الأزمة من السهل جدًّا تداركها إذا تراجع الإعلام "الرجعي والمتخلف" عن بثِّ كبسولات التعصب والحقد والغيرة والأنانية بين جماهير الفريقين.
وأرجع صادق هذه الأزمة إلى بعض الإعلاميين الذين يهوون نشر الفضائح وعمل "فرقعات" لا تهدف إلا لإثارة مشاعر الفريقين والجماهير، في الوقت الذي لا يعرفون شيئًا حقيقيًّا عن أساسيات التشجيع السليم، مشيرًا إلى أن اللعب على مشاعر الجهلاء والقلة المندسة والمتعصبة؛ هو سبب هذه الهالة الإعلامية الكبيرة حول المباراة، مستنكرًا وصول هذه الأمور إلى هذه الحالة، على الرغم من أن مصر هي من ضيَّعت فرصتها من قبل، وجعلت نفسها تلهث وراء الحسابات وفارق الأهداف.
وأشار صادق إلى الدور الذي لعبته مباراة في كرة القدم لإصلاح العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وأرمينيا، بمجرد حضور الرئيس التركي مباراة بين الفريقين، فعادت العلاقات الدبلوماسية مرةً أخرى، موضحًا أن كرة القدم في العالم المتحضر تُقرِّب بين الشعوب، وتزيل الحواجز الدبلوماسية والسياسية، إلا أن في البلاد العربية تسبب فرقة.
واختتم كلامه متسائلاً: "ماذا لو كانت المباراة الأخيرة مع زامبيا غير المسلمة وغير العربية؟".
تناول خاطئ |
د. صفوت العالم |
من جانبه، أكد الدكتور صفوت العالم أستاذ العلاقات العامة بكلية الإعلام جامعة القاهرة؛ أن التناول الإعلامي والسذاجة الإعلامية التي خرجت من تصريحات المسئولين المصريين والجزائريين حول المباراة أثارت الرأي العام؛ لدرجة أنها نقلت مباراة كرة القدم من أرض الملعب إلى الصحف ومواقع الإنترنت!.
وفنَّد العالم كلامه قائلاً: "من الطبيعي- ولكن من غير المفروض- أنه عندما تنقل الصحف الجزائرية ما يحدث في مصر تنقله بتحريف إما بالحذف أو بالإضافة أو التهويل؛ وهو ما يثير حفيظة الجماهير التي تقرأ وتسمع هذه الأخبار، وهو الأمر الذي يتكرر في مصر عند نقل أخبار المنتخب الجزائري، ليزداد النقاش حول المباراة؛ ما يخلق تأثيرات سلبية، وتزداد الحماسة، ويزداد الخروج عن النص".
واستغرب أستاذ العلاقات العامة تصريح رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم سمير زاهر، عندما قال إن المنتخب المصري قادر على الفوز في المباراة الأخيرة بخمسة أهداف نظيفة، معتبرًا مثل هذه التصريحات ساذجة وتثير الفتن عند الشعب الجزائري.
وتساءل: "كيف ضمن زاهر فوز مصر بخمسة أهداف؟، وإذا كان عدد الأهداف التي تستطيع مصر أن تحققها مضمونة؛ فكيف يضمن عدم إحراز المنتخب الجزائري أي هدف خلال المباراة؟".
واستطرد العالم قائلاً: إن الشحن الإعلامي بين الجانبين وصل مداه، وشهد تجاوزات لا أخلاقية ضد مدربي الفريقين وعدد من اللاعبين.
وأوضح أن نقل مثل هذه التصريحات والممارسات غير المسئولة في وسائل الإعلام هو ما تسبب في مثل هذه الأزمات بين الشعبين الشقيقين.
وفي رده على سؤال، ماذا لو كانت المباراة النهائية بين مصر وزامبيا أو رواندا؟ قال العالم: "دائمًا الحساسية العربية- العربية أشد وطأةً على الجماهير؛ ما يترتب عليها انفعالات جماهيرية أكبر، مؤكدًا في النهاية أن ما يحدث ليس في مصلحة مصر التي تعتبر الأقل فرصةً في التأهل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق