تقرير أسبوعي يرصد باختصار أهم التغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية
الشأن الداخلي
1- امتناع مصر عن التوقيع على اتفاقية الشفافية ومكافحة الفساد:
يُثير عدم توقيع مصر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد؛ تساؤلات عن موقف السياسة المصرية تجاه هذه النوعية من الاتفاقيات، كما لم توقع أيضًا على اتفاقية الاتحاد الإفريقي لحقوق الإنسان؛ وذلك رغم تأخُّر ترتيب مصر في تقارير الشفافية الدولية؛ حيث جاء ترتيبها في آخر تقرير 115 من إجمالي 180 دولةً.
ومن بين ما تتضمنه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وضع نظام للرقابة على إنفاق المال العام والذمة المالية لذوي المناصب العامة؛ بحيث يمكن وضع قيود على الفاسدين وتحركاتهم عبر الدول، وبشكلٍ يتيح لأي دولةٍ محاسبتهم على تصرفاتهم.
وهناك مَن يرى أن تأجيل أو رفض مصر التوقيع على الاتفاقية يعكس مدى الرغبة في التستر على الفساد، وأيضًا التستر على انتهاكات حقوق الإنسان، وخاصةً في ظلِّ تنامي مظاهر الفساد في أجهزة الدولة، وبالإضافةِ إلى ذلك يمكن القول إن دخول مصر في اتفاقية مكافحة الفساد سوف يترتب عليه إعادة هيكلة السلطات الرقابية، بما يقلل من هيمنة السلطة التنفيذية، وقد يعد ذلك من عوامل القلق التي تدفع باتجاه عدم التوقيع.
ورغم عدم توقيع مصر على الاتفاقية؛ فإن عضوية مصر في الأمم المتحدة يمكن أن تفتح بابًا لتطبيق الاتفاقية على المصريين والرقابة على تصرفاتهم إزاء مالية الدولة والتحقق من علاقاتهم بقضايا الفساد.
2- العودة للصكوك الشعبية!
بعد أن هدأت الضجة حول فكرة "الصكوك الشعبية"، أعيد إثارة الفكرة مرةً أخرى أثناء مؤتمر الحزب الوطني، وهو ما يشير إلى تشوه أو تذبذب السياسة الاقتصادية؛ بحيث يصعب القول بوجود إستراتيجية أو حتى سياسة للتنمية؛ وذلك بهدف التغطية على الفشل في حل مشكلات الناس ومحاولة ستر عورات النظام.
وفي أغسطس الماضي صدرت تصريحات تفيد بتخلي الحكومة عن فكرة "الصكوك الشعبية"، والعودة إلى متابعة سياسة الخصخصة، وفي تلك الفترة أشارت التصريحات إلى عدم نضج فكرة الصكوك الشعبية وعدم وضوح آلياتها، وهو ما يعد سببًا كافيًا للتخلي عنها، غير أن المشكلة الاقتصادية في الدولة أثيرت من وجه آخر؛ حيث إن العودة لبرنامج الخصخصة سوف لا يؤدي لحل المشكلات الاقتصادية والمالية، وخاصةً بعد مرور ما يقرب من عشرين عامًا على بدء العمل ببرنامج خصخصة أو بيع المؤسسات العامة المملوكة للدولة.
وقد صاحب الإعلان عن فكرة الصكوك الشعبية في نوفمبر 2008م حملة ترويج ودعاية واسعة النطاق، وكان الهدف الأساسي لهذه الحملة ليس الترويج لمشروع واضح الأبعاد والسياسات والمعلومات، بقدر ما كانت تركِّز على تسويق الوهم بالملكية والوهم بالتنمية، كما يمكن تفسير تلك الحملة بأنها كانت محاولة لتسويق ولدعاية بعض الشخصيات لدى الجماهير؛ وذلك خدمة لمصالحهم في المرحلة الانتقالية التي تمر بها الدولة؛ الأمر الذي بات واضحًا أنه لم يحقق أهدافه كالعادة.
ورغم الانتقادات التي توجه لهذه الفكرة إلا أن وزارة الاستثمار ووزارة المالية وأمين السياسات بالحزب الوطني يدفعون بإعادة طرح الفكرة؛ وذلك عبر التقليص الشديد لملكية الدولة، على الرغم من الادعاء بتبني سياسة توسعية في مجال الدعم لمواجهة مشكلة الفقر، وهو تناقض أساسي في السياسة الاقتصادية للحكومة، يترتب عليه زيادة عجز الدولة عن معالجة المشكلات الاقتصادية.
ثانيًا: الشأن الإقليمي
1- اعتزال أبو مازن السياسة.. مناورة مكشوفة:
هناك توافق بين المراقبين على أن إعلان أبو مازن عن عدم خوضه الانتخابات على رئاسة السلطة في يناير 2010م؛ كان بمثابة احتجاجٍ شكلي على التلاعب الأمريكي والصهيوني بالسلطة الفلسطينية، وخاصةً بعد جولة وزيرة الخارجية (كلينتون)، والتي أكدت فيها الفصلَ ما بين وقف الاستيطان وبين بدء المفاوضات، وتأكيد الولايات المتحدة أولوية أمن الكيان الصهيوني.
|
محمود عباس المنتهية ولايته |
غير أن هذا الاتجاه العام لا ينفي الآراء الأخرى التي تذهب إلى أن ما أعلنه أبو مازن هو مناورة لتجميع القوى الفلسطينية والجماهير خلف مواقفه لتوفير الدعم السياسي له ولفريقه الفتحاوي؛ سواء تجاه القوى الفلسطينية الأخرى، أو في حالة دخوله المفاوضات مع الصهاينة كما هو متوقع، وطبقًا للأجندة الأمريكية الصهيونية.
وعلى أية حال، ليس هناك ما يشير إلى أن موقف أبو مازن جاء لإصلاح السلطة الفلسطينية أو إتاحة فرص أفضل للمصالحة الوطنية؛ فالأمر الراجح هو أن الموقف ارتبط بعوامل خارجية أكثر منه استجابةً للمطالب والتحديات الداخلية، التي يبدو أنها لا تُعنيه كثيرًا.
وفي ظلِّ هذه الأزمة ومع انخفاض سقف المفاوضات وأفقها السياسي، يصبح من الضروري إعادة طرح المسألة الوطنية الفلسطينية بما يساعد على بعث حركة التحرر الوطني الفلسطيني الشاملة، ليس بممارسة ضغوط على "أبو مازن"؛ ليكون مرشحًا وحيدًا في الانتخابات الرئاسية، ولكن بإعادة النظر في التوجهات الحالية، وخاصةً ما يتعلق منها باعتبار التفاوض خيارًا إستراتيجيًّا، وتأخير أو إهمال المقاومة، بالإضافةِ للخروج من نفق المناورات، وصولاً للمصالحة الوطنية التي تضاءلت فرصها من جرَّاء تصرفات السلطة والمسئولين فيها عبر سنوات طويلة جريًا وراء سراب السلام.
2- التدخل السعودي وأبعاد الأزمة اليمنية:
دخلت المملكة السعودية على خط الأزمة الداخلية في اليمن فيما بين السلطة وجماعة الحوثيين، وهو ما قد يكون مؤشرًا على إمكانية توسع نطاق الأزمة لتصبح أزمةً إقليميةً متعددة الأطراف.
وقد جاء التدخل السعودي في الأزمة بعد حرب طويلة شنَّها الجيش اليمني، بهدف السيطرة الكاملة على منطقة "صعدة"، ولا يبدو في الأفق إمكانية للتراجع عن هذه السياسة، وبهذا المعنى فإن الدخول السعودي على خط الأزمة سوف يعزز استمرار الحكومة اليمنية في الحرب ضد الحوثيين.
وبينما ترى جماعة الحوثيين أن السعودية منحت تسهيلات للجيش اليمني للالتفاف عليهم، تذهب الرؤية السعودية للأحداث إلى أن دخول الحوثيين الأراضي السعودية كان السبب في العمليات العسكرية ضدهم لإرجاعهم داخل حدود الأراضي اليمنية.
ويشير تعدد الروايات إلى الأبعاد المختلفة للأزمة، فهذه الأزمة انتزعت من سياقها الداخلي لتكون واحدةً من قضايا الخلاف الإقليمي، ويتضح ذلك عندما تشير تصريحات كثير من المسئولين في اليمن والسعودية إلى استناد الحوثيين لدعم إيراني مباشر، دون توضيحٍ لمظاهر هذا الدعم، وفي ذات الوقت فإن تصريحات وزير خارجية إيران تزيد الأمر تعقيدًا وصعوبةً.
ولذلك يمكن القول إن تركيبة الأبعاد المذهبية والإقليمية للأزمة سوف يترتب عليها حدوث توتر في النسيج الوطني والاجتماعي في جنوب شبه الجزيرة العربية.
ثالثًا: الشأن الدولي
1- الصين وإفريقيا:
يعدُّ الوجود الصيني في إفريقيا واحدًا من بين العديد من التوجهات العالمية تجاه هذه القارة الواسعة، فإلى جانب سياسة الصين توجد سياسات أخرى جماعية وفردية؛ حيث توجد الشركات والتحركات الأوروبية، الأمريكية، والتركية، بالإضافةِ إلى علاقات قوية مع دول في آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا.
وبهذا المعنى يمكن قراءة السياسة الصينية تجاه إفريقيا على أنها سياسة تعمل في ظلِّ منافسةٍ متعددة الأبعاد والأطراف، لأجل الاستحواذ على الأسواق والموارد الطبيعية في القارة السوداء.
وتسعى الصين للتغلغل في الأسواق والمجتمعات الإفريقية، وقد اتبعت هذه السياسة منذ تبني الدولة للاشتراكية وفقًا لنظرية "ماوتسي تونج"؛ حيث عملت على تكوين حركات اشتراكية موالية لها في إفريقيا، ومع التغير في شبكة العلاقات الدولية تحاول الصين تطوير علاقاتها مع الدول الإفريقية؛ وذلك عبر المشروعات الاقتصادية والمساعدات والقروض، وهذه المشروعات قد تشهد تطورًا في المرحلة المقبلة، وذلك بالنظر إلى الإمكانات السياسية والاقتصادية لدى الصين، والقدرة على التوافق مع مصالح الأطراف الأخرى (ويجدر هنا ملاحظة الغياب الكامل لمصر في القارة الحاضنة لها).
2 - الحروب الأمريكية وأزماتها السياسية:
يشير تعقد الوضع الأمني والسياسي للقوات الدولية في إفغانستان إلى مدى الصعوبات التي واجهت الحروب الأمريكية منذ مرحلة الحرب الباردة وحتى الآن، فرغم مرور ثماني سنوات على احتلال القوات الأجنبية، وخاصةً الأمريكية لأفغانستان، يزداد تعقد الأزمة ليس فقط على مستوى الدولة الأفغانية، ولكن على مستوى تبرير وجود القوات الأجنبية ومهمتها.
وهناك اعتقاد بأن التباس هذا الدور هو السبب الرئيسي في تفاقم المشكلات الأمنية للقوات الدولية؛ فإنه وفقًا للبيانات والتصريحات الأوروبية والأمريكية يمكن تحديد هذه المهمة في عاملين؛ الأول، الادعاء بالسعي لبناء دولة حديثة مستقرة في أفغانستان؛ وذلك عبر وسائل عسكرية وأمنية كاملة، أما الثاني فهو أن تكون الدولة علمانية؛ الأمر الذي يؤجج الصراع بين الأفغان والقوات الأجنبية المحتلة على الاختيار ما بين الحفاظ على الهوية الوطنية للدولة، وما بين فرض نماذج ونظريات غريبة على المجتمع غير ملائمة له، وهذه النوعية من الصراعات تستغرق سنوات طويلة، وتجارب التاريخ تؤكد أن النصر في النهاية يكون حليفًا للشعوب المقاومة للحصول على حقها في تقرير مصيرها.
هذه الحالة لا تختلف في تكوينها وأبعادها عن حرب فيتنام التي شهدتها ستينات القرن الماضي، وترتب عليها خسائر فادحة للولايات المتحدة على المستويات؛ العسكرية والسياسية والاقتصادية والإنسانية، ما زالت آثارها باقيةً حتى اليوم.
وتعد حادثة قاعدة (فورت هود) العسكرية كاشفةً عن غموض العقيدة العسكرية للجيش الأمريكي، وخاصةً في ظل تعدد تكوينه العرقي واتساع نطاق الحروب تجاه الشعوب الأخرى، وأصبحت الحرب خارج الحدود الأمريكية تحتاج إلى إقناع وحفز للجنود الأمريكيين للقتال، ومع تنامي الإخفاقات العسكرية للجيش الأمريكي في أفغانستان، فإن أزمة مماثلة لأزمة فيتنام ليست بالأمر البعيد.
هناك تعليق واحد:
العدد الحالي من مجلة China Quarterly العلمية مخصص لبحث العلاقات بين الصين وأفريقيا، وفيه مقالة مفيدة عن تعامل الصين مع السودان. وأعدوكم إلى قراءة ملخص باللغة العربية لهذه المقالة.
إرسال تعليق