مرحبا

لا لجدار العار جدار الذل

ادخل وشارك برايك وقل لا لجدار العار جدار الذل

خدمات الموقع

HELP AQSA

break

الجمعة، 25 ديسمبر 2009

ِريادة المنع والإقصاء

ِريادة المنع والإقصاء
تاريخ النشر : 23/12/2009 - 07:30 م

حين يمنع مثقف عربي من دخول أي بلد عربي بسبب موقفه الفكري، فذلك إجراء يسيء إلى البلد ولا يسيء إلى المثقف، لذلك فإنني أعتبر أن منع الدكتور نصر أبو زيد من دخول الكويت موقف غير حكيم، ورغم اختلافي الفكري معه، فإنني كنت أفضل أن يسمح له بالدخول، ثم يتاح له أن يعبر عن آرائه، وأن يمكن نقاده ومعارضوه من مناقشته والرد عليه. على الأقل، فذلك هو الوضع الأمثل الذي تمنيت أن يتم التعامل به مع موضوعه. لكن يبدو أن الأمر ليس بهذه المثالية لأن خبر منع الدكتور أبو زيد من الدخول حظي باهتمام من بعض المثقفين، الذين سجلوا احتجاجهم على ذلك في بيان أصدروه، وتعليقات عدة نشرتها الصحف المصرية. وأثار انتباهي أن هؤلاء لم يسمع لهم صوت، ولم يصدر عنهم أي احتجاج حين نشرت الصحف خبر منع السلطات المصرية دخول الدكتور وليد طبطبائي وهو أستاذ جامعي ونائب في مجلس الأمة الكويتي. ولم يكن لذلك من سبب سوى موقفه الفكري، لأن الرجل من أعضاء الكتلة الإسلامية في البرلمان، وهو ليس وحيدا في ذلك، لأن السلطات المصرية دأبت على منع دخول أمثاله من مختلف الأقطار العربية. خصوصا الخليجيين والأردنيين والفلسطينيين.

أدري أن الخطأ لا يبرر الخطأ، وأرجو ألا يظن أنني باستدعاء تلك الخلفية أقدم دفاعا عن قرار الحكومة الكويتية، أو تبريرا لمسلكها. كما أرجو أن تكون قد لاحظت أنني في السطر الأول من كلامي سجلت اعتراضي على مبدأ منع المثقفين من دخول مختلف الأقطار العربية، علما بأنني أحد الممنوعين من دخول تونس منذ أكثر من عشر سنوات. لكنني مما عرضت أردت أن ألفت إلى أمرين، أولهما أن بيتنا من زجاج في هذه المسألة، فمصر سباقة في عملية المنع. وما فعله الآخرون أنهم ساروا على دربها وقلدوها. الأمر الثاني أن موقف المثقفين الناشطين من مثل هذه الأحداث يتأثر بالتحيزات الفكرية لأطرافها، ولا ينطلق من مواقف مبدئية. وفي الحالة التي نحن بصددها فإنه لا تفسير لحملة التضامن مع الدكتور نصر أبو زيد، والانتصار له، والسكوت على ما جرى للدكتور وليد طبطبائي وأمثاله سوى أن الأول ينتمي إلى الفريق العلماني، في حين أن الآخرين ينتمون إلى أصحاب التوجه الإسلامي. وليست هذه هي الحالة الوحيدة؛ لأن المفارقة ذاتها أوضح ما تكون في مواقف منظمات حقوق الإنسان التي يهيمن العلمانيون على أغلبها. فإذا داست أجهزة الأمن على طرف واحد من جماعتهم، فانهم يهبون معبرين عن الاحتجاج والغضب وتتعالى أصواتهم منددة بالمساس بحريته، وانتهاك حقوقه التي كفلها ميثاق حقوق الإنسان. أما الاعتقالات التي تتم بصورة أسبوعية بحق الطرف الآخر. والمحاكمات العسكرية التي يقدمون إليها، والاحتجاز غير القانوني للمئات منهم الذين انتهت محكومياتهم. وغير ذلك من إجراءات المداهمة والمصادرة وخراب البيوت، ذلك كله إما أن يغض الطرف عنه، وإما أن يشار إليه من باب رفع العتب وسد الخانة. وحتى نكمل الصورة فإن هذا الاستقطاب يتجاوز الأنشطة المتعلقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان، ليصل إلى مختلف مجالات النشاط الثقافي التي يقوم عليها غلاة العلمانيين. إذ أصبح تحيزهم مكشوفا لصالح جماعتهم، وغدا إقصاء أصحاب التوجه الإسلامي من عضويتها فضلا عن حرمانهم من جوائزها بمثابة ظاهرة عامة. والحاصل في منح جوائز الدولة كل عام خير دليل على ذلك. وما جرى في توزيع تلك الجوائز في العام الأخير بوجه أخص كان معبرا عن فجاجة ذلك التحيز. وهو ماسبق أن أشرت إليه في هذا المكان. فيما كتبته تحت عنوان «مبدعون ممنوعون من الصرف».

غني عن البيان أن مثل هذه الممارسات لو صدرت عن المتدينين لكانت إدانتهم واجبة أيضا. لكن الحاصل أن حملة الإقصاء حالت دون اختبارهم في المواقع التي أصبحت حكرا على غيرهم. إن الحرب الباردة انتهت بين الدول الكبرى فقط، لكنها لم تتوقف على مستويات أخرى، المثقفون في الصدارة منها.

ليست هناك تعليقات: