بين قلبي وحسامي |
تاريخ النشر : 24/08/2009 - 08:33 م |
كثيرا ما يسألني الناس عما يدور وراء الكواليس بيني وبين ضيوف برامجي التليفزيونية "بلاحدود"، و"شاهد على العصر" أثناء مراحل الإعداد، أو الاستراحات أثناء تقديم أو تسجيل البرامج، أو ما بعد ذلك، حيث يتصور كثيرون تصورات مختلفة حول ما يحدث وراء الكواليس، لكن الحقيقة أنه في كثير من الأحيان تنشأ علاقة إنسانية من نوع ما بيني وبين بعض الضيوف، وفي أحيان أخرى لا تتجاوز العلاقة فترة العمل، وأذكر هنا أنه من بين الشخصيات التى قامت بيني وبينها علاقة إنسانية تجاوزت حدود الحلقات اللواء أركان حرب جمال حماد أبرز قيادات الضباط الأحرار في مصر، حيث كان يدور بيننا خلال فترات التحضير لشهادته علي العصر جلسات نخرج فيها عن حدود السياسة والتاريخ إلى الشعر والأدب، فاللواء جمال حماد ليس شخصية عسكرية ومؤرخا عسكريا محترفا فحسب، وإنما هو أديب وروائي وشاعر وعادة ما كان شعره يرطب جلساتنا المليئة بتفاصيل التاريخ والسياسة، وعادة ما كان يشاركنا صديقه وابنه اللواء برهان حماد وكيل المخابرات المصرية السابق تلك الجلسات، وكما كان شعر اللواء حماد يعبر عن السياسة وهمومها كان أيضا يحوي من شعر الغزل والعواطف ما يعكس رهافة حسه ورقة نفسه، وأذكر أني قد طلبت منه أن يجمع شعره فى ديوان، لا سيما أنه كان منشورا بشكل متناثر في بعض الصحف والمجلات، وقد فاجأني فى زيارة قمت بها له قبل أيام بأنه قد جمع شعره بالفعل فى ديوان تحت عنوان "بين قلبي وحسامي"، فجاء متنوعا بين الشعر الوطني والوجداني، وفي النهاية جاء الديوان تعبيرا عن جانب هام من شخصيته الصارمة عسكريا والمرهفة عاطفيا، الديوان قدم له الدكتور عبداللطيف عبدالحليم رئيس قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، ومما وقف عنده فى مقدمته كانت لغة جمال حماد الشعرية حيث قال: "ولغة جمال حماد الجميلة نضجت حتى في نثره مؤرخا، لأنه من جيل عشق لغته وتمرس بها، ولأنه أيضا لا ينسى الشاعر حين يدخل ساحة التأريخ، وكنت أطرب للغته فى مقالاته ومؤلفاته قبل أن أعرفه شاعرا، وهي لغة توازن بين السلامة والجمال دون أن تغرق في الصنعة"، وقد أعاد جمال حماد ثقافته اللغوية إلى والده الشيخ إبراهيم حماد الذي أهدي له الديوان وقال عنه: "منذ طفولتي وأنا أعشق اللغة العربية، وليس ذلك بغريب عندما يكون الوالد والمعلم والمربي أستاذا للغة العربية، بل شاعرا من الشعراء المجيدين، وإن كانت الفرصة لم تتح له كي يحظي بالشهرة التي كان يستحقها". قصائد الديوان كتبت علي مدى زمني طويل امتد لأكثر من خمسين عاما، لكن أحدث قصائده كانت عن حرب غزة الأخيرة، حيث شنت إسرائيل حربها على القطاع بعد حصار لا زال قائما يقول جمال حماد في قصيدته "غزة". جند إسرائيل أوغاد الورى دنسوا الأقداس غدرا والزمام داست الحرمات أقدام الطغاة وتداعى الحق في أيدي الطغام وأصاب الغدر قدس الأنبياء وأضام البغي شعبا لا يضام أيها الشجعان هبوا للفدا صحوة التحرير قامت لن تنام اسحقوا العدوان يا أسد الوغى وابعثوا الأمجاد في أرض السلام كم توالى الخزي في جيش العدا اسم إسرائيل أمسى في الرغام هذه العاطفة الجياشة كانت حاضرة أيضا في السادس من أكتوبر عام 1973 حينما تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس، وعندها عبر جمال حماد عن ذلك قائلا: رويدك إسرائيل أمنك زائف وبأسك أوهام ويومك قادم صحوت على صوت العبور فقد دهت معاقلك الشماء أسد ضياغم دروع وأطياف ونار وفتية توالت كأمواج الخضم تلاطم حصونك في بارليف أحلام واهم وجمعك ذو البأس القوي شراذم وفي حرب العام 1956 كان جمال حماد مديرا للقيادة المصرية السورية المشتركة، وملحقا عسكريا لمصر فى سوريا ولبنان، وحينما انتهت مهمته وقف يودع دمشق قائلا: خلفت بالفيحاء قلبي هائما وسكبت روحي في ربوع الشام بردي على شطيك هبت أمة تبني العلا بشكيمة الضرغام وحينما حامت في الأفق بوادر انفصال مصر عن السودان بعد قيام ثورة يوليو 1952 فى مصر ألقى جمال حماد قصيدة في بداية العام 1953 في بيت رئيس مصر والسودان آنذاك اللواء محمد نجيب، وفي حضور زعماء الحزب الوطني الاتحادي السوداني قائلا: حاشا لوادي النيل يفصل شطره وحجا الرئيس بضمه برشاد إن فرقوا في الأرض كيف فراقنا في الدين أو في الجنس أو في الضاد النيل يجمعنا ويوثق شملنا ويضمنا من سالف الأجداد عبثا يحاول من يريد فصامنا فرباطنا هو من صنيع الهادي لكن عبدالناصر أطاح بمحمد نجيب بعد ذلك، وضاعت السودان من مصر وانفصلت عنها، غير أننا حينما كنا نأتي إلى الحديث عن الغزل في شعر اللواء جمال حماد كان صوت ضحكته يملأ المكان مع شيء من الخجل والرقة تبدو على وجهه، ولعل قصيدته "غرام الصبا" حينما التقى مع حبه الأول بعد فراق عشرين عاما تعبر عن شيء من حسه المرهف، حيث يقول: صادفتني ولم يكن في حسابي أن أراها بعد طول الغياب يا فتاتي ويا قرينة عمري أنت خير الصحاب من أترابي يا فتاتي هل دعاك فؤادي أم شعرت بوحشتي واغترابي جئت كالبدر فى الدجي فطربنا وسعدنا بسحرك الخلاب غير أنه عبر عن حبه لزوجته أم أولاده في قصائد كثيرة في ديوانه، منها تلك القصيدة التي قال فيها: أحبيبتي.. مهما أقول فإنني لن أحسن التعبير عن غاياتي يا مهجة بين الجوانح ضمها قلبي فضم الخير والبركات يا زهرة فاض النسيم بسحرها وشدا بها الحادون في الفلوات أنت الحياة تفتحت أبوابها أنت السعادة في سماء حياتي ما كان قيس في هواه مدانيا حبي وما ليلاه مثل فتاتي أمتعني اللواء جمال حماد بشعره وديوانه، وعكس جانبا آخر من شخصيته العسكرية الجادة، وجعلني أكشف شيئا مما يدور وراء الكواليس بيني وبين ضيوف برامجي، حيث لا نقف عند حدود السياسة والتاريخ والحروب فحسب، وإنما نتخطى ذلك أحيانا حتى إلى حديث القلب والشعر والحب والغزل. |
HELP AQSA
الجمعة، 25 ديسمبر 2009
بين قلبي وحسامي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق