تسميم الشعب المصري |
تاريخ النشر : 01/09/2009 - 07:21 ص |
سلسلة التحقيقات المطولة التي نشرتها صحيفة "المصري إلىوم" المصرية على مدى أكثر من شهر حول ري المزروعات من الخضروات والفواكه في معظم أنحاء مصر بمياه الصرف الصحي فجر قضية خطيرة تتمثل في جريمة كاملة الأركان ضد الشعب المصري ترتكب منذ سنوات طويلة من قبل النظام الحاكم سواء كان ذلك عن قصد أو غير قصد، فالنظام الحاكم لم ينكر الجريمة، بل إن اجتماعات متعددة للحكومة بأعلى قياداته السياسية عقدت للبحث في الموضوع وكأنهم يعرفونه لأول مرة، واعترف وزراء في الحكومة بأن ما حدث ويحدث هو عملية تسميم للشعب المصري، وقام خلاف بين وزارة الزراعة والري حول مسؤولية كل منهما عن تلك الجريمة. كما طالبت القيادة السياسية بتقارير عاجلة للوقوف على مساحات الأرض المزروعة التي تسقى بمياه الصرف الصحي في مصر، والتي أشارت "المصري إلىوم" عبر تحقيقاتها المتتابعة أنها تقدر بمئات الآلاف إن لم يكن أكثر من الأفدنة في معظم أنحاء مصر، وأن الري بمياه المجاري يتم للخضروات التي يتناولها المصريون كل يوم، ولا ندري أين كانت القيادة السياسية المصرية وسط تقارير كانت ترفع طوال السنوات الماضية من جهات رقابية وصحية وتوضع على مكاتب كبار المسؤولين في الدولة تتحدث عن هذه الكارثة وغيرها من الكوارث الأخرى التي تعصف بصحة الشعب المصري، دون أن يتحرك أحد، بل إن أركان الجريمة كانت تتكامل يوما بعد يوم لتترسب السموم في النهاية في دماء وأجساد المصريين، ويخرج المسؤولون عن الصحة، وعلى رأسهم وزير الصحة من آن لآخر ليتحدثوا عن تفشي أمراض الفشل الكلوي والكبدي والسرطانات في الشعب المصري والتي تزيد بأربعة أضعاف عما يوجد في أعلى النسب في دول العالم دون أن يتحرك أحد لإيقاف تلك الجريمة، وعملية تسميم الشعب المصري لا تقف عند حد ري الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي التي تحتوي على حجم هائل من السموم، بل إن الأخطر هو تصريح رئيس هيئة الثروة السمكية الذي قال فيه إن الأسماك في بحيرة المنزلة غير صالحة للأكل بسبب السموم والملوثات التي تلقى في هذه البحيرات، حيث تلقى آلاف الأطنان من الملوثات والسموم في البحيرة منذ سنوات طويلة، الأخطر من كل ذلك أن مياه النيل أصبحت هي الأخرى مصدرا لقتل المصريين ونشر الأمراض بينهم، حيث تلقى في مياه النيل أخطر أنواع المخلفات الصناعية والسموم الزراعي، وتشير التقارير إلى أن مياه النيل تتعرض لأكثر من ثلاثة عشر ألف مصدر للتلوث، حيث تقدر المخلفات الصلبة التي يتم صرفها في النيل حوالي 14 مليون طن سنويا منها مخلفات شديدة الخطورة. وفي دراسة أخرى أجراها الدكتور محمود عمرو أستاذ الأمراض المهنية بالمركز القومي للسموم بطب القاهرة، قال فيها إن 16 مليار متر مكعب محملة بالمخلفات الزراعية والصناعية يتم صبها في نهر النيل سنويا، وتشير عشرات التقارير إلى أن معظم المدن والقرى المصرية تصب مياه الصرف الصحي في مصادر المياه مثل النيل والبحيرات، وهي نفسها التي يشرب منها المصريون ويروون أراضيهم الزراعية، أي أن المصريين باختصار يأكلون ويشربون من مخلفاتهم، هذه المخلفات تتحلل وتترسب كما هي في أجساد المصريين، لأن الكلور الذي يستخدم في محطات مياه الشرب يقتل الميكروبات فقط، كما أن محطات التحلية تزيد من كمياته التي تؤدي إلى تأثيرات سلبية على الكبد والكلي، حيث تشير الدراسات الرسمية إلى أن هناك 13 ألف حالة فشل كلوي في مصر سنويا وستون ألف حالة سرطان مثانة نتيجة تلوث مياه الشرب، كما أن مياه النيل ليست أكثر فائدة في الزراعة من مياه الصرف الصحي، حيث أشارت دراسة أعدها الدكتور أحمد نجم المستشار الاقتصادي بمجلس الوزراء المصري أن تلوث مياه النيل أدى إلى خسارة كبيرة في الانتاج الزارعي وأن 50 في المئة من فاقد الإنتاج الزراعي في مصر سببه الرئيسي يعود لتلوث مياه النيل، هذا التقرير ليس الوحيد الصادر عن جهات رسمية، بل إن تقارير رسمية كثيرة منها تقرير صادر عن وزراة البيئة المصرية يقول بأن مصر تخسر سنويا ثلاثة مليارات جنيه نتيجة لملايين الأطنان من الملوثات الصناعية والزراعية والطبية والسياحية التي تلقي في مياه النيل سنويا، وقد أشار الدكتور محمود عمرو في دراسته إلى أن نصف مليون مصري يصابون بالتسمم سنويا بسبب تلوث المياه، كما كشف الدكتور أحمد نجم أن 17 ألف طفل مصري يموتون سنويا بسبب النزلات المعوية جراء تلوث المياه، وحينما تفجرت فضيحة قرية البرادعة التي اختلطت فيها مياه الصرف الصحي بمياه الشرب وأدت إلى إصابة المئات بمرض التيفوئيد، ونشرت صحيفة الشروق في 15 أغسطس حول تداعيات هذه الفضيحة التي من بينها أن هناك 183 قرية و600 عزبة في محافظة القليوبية وحدها محرومة من مياه الشرب، ولنا أن نقيس ذلك على باقي محافظات مصر، كما كشف تقرير عن المنظمة الدولية لحقوق الإنسان أن مدينة قها التابعة لمحافظة القليوبية هي الأولى عالميا في الوفيات الناتجة عن أمراض الفشل الكلوي والكبد نتيجة اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، والعجيب أن هذه الجرائم التي نالت الاهتمام الكلامي من المسؤولين ليس وليدة اللحظة بل مضى عليها سنوات طويلة، وقد لجأ أهل الخانكة إلى رفع دعاو قضائية ضد رئيس الوزراء بصفته ووزير الموارد المائية ووزير الصحة ومحافظ القليوبية، وقد لجأ مقيمو الدعوة إلى جميع المستويات المسؤولة، لكن ذهبوا هم ودعواهم أدراج الرياح وتركوا ليقلقوا مصيرهم مسممين مثل باقي الشعب المصري. هذا قليل من كثير مما يحدث لشعب مصر على يد من يحكمونه، فالشعب يتعرض لعملية تسميم وقتل أدت إلى إصابة أكثر من 50 في المئة منه بأمراض قاتلة حسب تقارير رسمية منها تقارير وزارة الصحة التي تتحدث عن نسب الإصابة بالسرطانات وأمراض الكلى والكبد والسموم الناتجة عن تلويث الحياة ومصادرها في مصر، هذه الجريمة لا يكفي فيها إقالة الحكومة أو المسؤولين عنها، بل تجب محاكمتهم وإذا كانوا الآن يتمتعون بحماية الذين وضعوهم في هذه المناصب، فإن تدوين هذه الجرائم أصبح مسؤولية وطنية على كل مصري، لأن عدالة السماء تقتضي أن يكون هناك يوم للحساب حتى وإن بدا بعيدا، لا سيما أن الجريمة ليست ضد شخص، وإنما هي ضد شعب كامل عجز أعداؤه عن هزيمته وإذلاله، حتى أتت تلك الحفنة لتذيقه الهوان والمرض والبؤس والطعام والشراب المسموم الذي يؤدي إلى الموت دون أن يسائلها أحد عما تقوم به، وإذا كان هذا الشعب عاجزا في هذه المرحلة على أن يستعيد حقوقه، فربما يأتي يوم يستعيد فيه هذا الشعب حقوقه ويحاسب قتلته وجلاديه. |
HELP AQSA
الجمعة، 25 ديسمبر 2009
تسميم الشعب المصري
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق