مرحبا

لا لجدار العار جدار الذل

ادخل وشارك برايك وقل لا لجدار العار جدار الذل

خدمات الموقع

HELP AQSA

break

الجمعة، 25 ديسمبر 2009

أجهزة أمن عربية أكثر... وتدهورٌ عامٌ أكبر

أجهزة أمن عربية أكثر... وتدهورٌ عامٌ أكبر
تاريخ النشر : 03/10/2009 - 10:04 م

قد تبدو الدولة العربية للكثيرين داخل الوطن العربي وخارجه كما لو أنها رمز للدقة والانضباط والسيطرة على الأوضاع، فهي حاضرة في أدق تفاصيل رعاياها، لا بل تعرف عنهم من خلال أجهزتها اللامحدودة أكثر مما يعرفون عن أنفسهم أحياناً.

وهي عبارة عن مسخ منسوخ من الدولة البلشفية البائدة، حيث كان الكل يتجسس على الكل.

وبالرغم من أن هذا النوع الديناصوري من الدول، قد زال في العديد من بلدان العالم، إلا أنه ما زال حياً يرزق في ربوعنا العربية «الأصيلة»، لا بل إنه يزدهر من جديد بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عموم العالم العربي.

ألا يعمل في وزارات الداخلية العربية، مئات الآلاف من رجال الشرطة، والأمن، والمراقبة، والتحقيق، والمتابعة، والتدقيق، والتنقيب والتعقب، والتصنت؟ ألا يزدادون يوماً بعد يوم؟ فإذا كان هناك في الدول المتقدمة طبيب لكل خمسة مواطنين فلدى كل مواطن عربي خمسة رجال شرطة وأمن يراقبون دبيب النمل.

إنه أشبه بإرهاب يومي منظم لتخويف الناس وجعلهم يرتعدون هلعاً من بطش الدولة.

إنه منظر شبيه تماماً بالطريقة التي تُدار فيها «مزرعة الحيوان» تلك الرواية الخالدة للأديب الإنكليزي الكبير جورج أورويل، لقد أراد الكاتب أن يفضح نظام الحكم الشيوعي الغاشم، حيث كان يحصي أنفاس الناس بطريقة مرعبة، فأعين الدولة الرهيبة تلاحق المواطنين في كل زاوية، حتى وإن كانوا يلبون نداء الطبيعة في دورات المياه أو الحمامات أو في الشوارع والمرافق العامة.

وقد اعتقد أورويل أيضا أن صور الزعيم المعلقة في كل حدب وصوب هي للإرهاب فقط ، فهو يقول للناس إني أراقبكم في كل مكان، في البيت والمدرسة والمصنع الشارع والدكاكين وحاويات الزبالة وسوق الخضار.

وقد أصبحت الدولة العربية في عصر الكومبيوتر، أكثر قدرة على التحكم المعلوماتي بشؤون الناس، فقد شاهدنا كيف أن الكومبيوتر العملاق دخل بعض الدول العربية أول ما دخل ليس لأغراض علمية، بل لأغراض أمنية بالدرجة الأولى، فقد أصبح بإمكان «الدولة التسلطية»، كما سماها خلدون النقيب أن تضبط الأوضاع عن طريق بضعة أجهزة كومبيوتر تستطيع من خلالها أن تتابع أدق الأمور عن حياة الشعوب الرازحة تحت المراقبة ليل نهار.

فلكل مواطن عربي- هذا إذا كان بإمكاننا أن نسميه مواطناً-ملف إلكتروني أو ورقي ثقيل لدى الدولة، يحتوى على تاريخ المواطن وحاضره وربما مستقبله، فالمستقبل قد يكون معروفاَ للإنسان العربي بناء على ماضيه ووضعه الحالي، ناهيك عن أن الدولة العربية قادرة بقدرة قادر أن تحدد المستقبل لأبنائها، إلا إذا تذاكى هذا المواطن على دولته، وهرب بجلده إلى بلاد الله الواسعة، وحدد مستقبله بنفسه.

إن هذا العدد الهائل من الأجهزة الأمنية يعطيك الانطباع بأنك تعيش في جمهورية مثالية من الانضباط، وقد يأخذ المراقب الأجنبي الانطباع أن الأنظمة العربية من كثرة ما تمارس المتابعة والمراقبة والقمع والتأديب بحق مواطنيها فهي قمة في الأخلاق والفضيلة، وأنها تريد تهذيب شعوبها وإصلاحها لخير الأوطان.

لكن هل هي كذلك فعلاً؟ لماذا هناك إذن حالة فساد وإفساد غاية في الخطورة داخل الدول العربية من المحيط إلى الخليج؟ لقد سألني صحفي غربي ذات مرة:«لماذا غدا العرب في مؤخرة دول العالم من حيث التقدم والتطور، إذا كان لديهم دول تسير بدقة ساعات رولكس إن لم نقل بيغ بن؟».

فقلت له:«ماذا تقصد بكلمة دقة».

فأجاب:«أن الدولة العربية النموذجية تضبط رعاياها بسهولة ودقة متناهيتين، كما يضبط الراعي قطيعاً من الأغنام أو الماعز في حظيرة صغيرة، وبالتالي كان من المفترض أن تكون نتيجة هذا الضبط والانضباط الرائع، تقدماً اقتصادياً مذهلاً، فمن المعروف أن الشعوب المنضبطة هي الأفضل في تحقيق معدلات نمو اقتصادية عالية كالصين واليابان وألمانيا، فاليابانيون غزوا العالم بمنتجاتهم الصناعية بفضل التزامهم وانضباطهم الرهيب، وكذلك الألمان والصينيون، وأصبحت الصين بفضل نظامها الصارم قوة عظمى تنافس الكبار، ناهيك عن أنها تحقق نمواً اقتصادياً سنوياً يزيد عن ثلاثة عشر بالمائة، وهي أكبر نسبة نمو في العالم، أما أنتم العرب، فلا يبدو أن صرامة الدولة العربية معكم قد آتت أكلها، فأنتم مغلوبون على أمركم في كل المجالات تقريباً، فليس لديكم سياسات ناجحة، ولا تجارة رابحة، ولا اقتصاد منتج، ولا وسائل إعلام جيدة، ولا مجتمعات متقدمة، ولا تكنولوجيا متطورة، ولا من يحزنون. فما السر إذن في تخلفكم؟».

وأنا أجيب هنا بتساؤل:هل تعتقد يا محترم أن الدولة العربية الأمنية تحكم سيطرتها على رعاياها، وتكبل حياتهم، وتخنق حريتهم، وتمتهن كرامتهم، من أجل منافسة الدول المتقدمة في الصناعة والتكنولوجيا والعلوم والتجارة والثقافة؟ هناك طبعاً اعتقاد سائد بأنه كلما زاد عدد أدوات الضبط، كان المجتمع في وضع أفضل أخلاقياً واجتماعياً واقتصادياً وتجارياً، لكن الأمر معكوس عندنا، فكلما زاد القمع في الدولة العربية التسلطية، كان ذلك مؤشراً على استفحال الفساد والانهيار والتفسخ داخل الدولة ذاتها؟ وهذا واضح للعيان، فالبطش العشوائي الذي تمارسه الدولة العربية، هدفه التستر والتغطية على فسادها المتصاعد لحماية نفسها من الشعب، وليس بأي حال من الأحوال سعياً للإصلاح.

هل يُعقل أن هذا العدد الهائل من «الأخوة الكبار» أو لنقل إخوان التسلط، لا يستطيعون أن يضبطوا أبسط أمور الناس الاقتصادية والاجتماعية والتجارية والإدارية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم؟

ألا تواجه مجتمعاتنا انهياراً اجتماعياً واقتصادياً وأخلاقياً رهيباً في ظل الدولة الأمنية المتغولة؟

لماذا كلما ازداد عدد أجهزة الأمن والشرطة في العالم العربي، تفاقم الفساد، وتدهورت الأوضاع، وخربت البلاد والعباد؟ الجواب بسيط جداً: لأن الدولة اختارت أن تركز وجودها في مجال الأمن السياسي، بحيث تراقب المجتمع، وتمنع تجرؤه عليها في هذا القطاع على وجه التحديد. أما أمن القطاعات الأخرى، فليذهب إلى الجحيم.

باختصار، إن الهدف من هذا الكم الهائل من الأجهزة الأمنية هو حماية الأنظمة بالدرجة الأولى، وليذهب أمن الشعوب ومصالحها في ستين ألف داهية...... يتبع الأسبوع المقبل.

ليست هناك تعليقات: