مرحبا

لا لجدار العار جدار الذل

ادخل وشارك برايك وقل لا لجدار العار جدار الذل

خدمات الموقع

HELP AQSA

break

الجمعة، 25 ديسمبر 2009

الإخلاص لله وحده.. والوحدة والتنوع هي سر قوة وبقاء الإخوان

الإخلاص لله وحده.. والوحدة والتنوع هي سر قوة وبقاء الإخوان
تاريخ النشر : 24/12/2009 - 06:53 م

مرت على مصر والأمة العربية والإسلامية أحداث جسام وعواصف مدمرة خلال القرن الماضى، وبدايات القرن الحالى، وعاصر "الإخوان المسلمون" كل تلك الأحداث طوال أكثر من ثمانين عاما، وبقيت جماعة الإخوان صامدة ولم تختف عن الساحة، بل ظلت رقما صعبا في المعادلة الاجتماعية والسياسية، حتى وإن كان أعضاؤها خلف الأسوار، رغم الحرب العالمية، والثورات والحروب الأهلية والفتن والتغيرات الهائلة التي حدثت في مصر والأمة العربية والاسلامية .

وعاش "الإخوان المسلمون" داخل وخارج السجون أزمات ومحنا وخلافات، ظن البعض أنها قد تعصف بهم وبجماعتهم، إلا أنهم خرجوا منها جميعا أصلب عودا، وأقوى مراسا، وأشد عزما على المضي قدما في طريقهم الذي اختاروه عن اقتناع ويقين .

وانتشرت أفكار شتى، وذاعت مذاهب متعددة، وتم تسخير كل أدوات السلطة والإعلام ومراكز البحوث لدعم تلك الأفكار والتيارات، واختفت تلك الجماعات والأفكار والتيارات أو ضعفت إلى حد الموت، وبقيت فكرة الإخوان التي اعتنقوها بصدق باقية ثابتة تجذب إليها الآلاف والملايين من الشباب والفتيات والرجال والنساء، وتمزقت أحزاب وتيارات إلى مزق وأشلاء، وبقي الإخوان كتلة صلبة مرنة في نفس الوقت، رغم أنه خرج منها البعض، وضعف بعض آخر .

وحوصر الإخوان في بلد المنشأ "مصر" حوالى عشرين سنة (1954–1975) ومنعوا من الرخصة القانونية رغم غض النظر الرسمي عن نشاطهم 35 سنة أخرى، عانوا فيها حصارا قانونيا، ومطاردة مستمرة أسفرت عن اعتقالٍ دوَّارٍ لأكثر من 30 ألفا من أعضائهم، ومحاكمة أكثر من 200 من قياداتهم أمام محاكم عسكرية، ويقضي الآن خيرة رجالهم أحكاما بالسجن وصلت إلى 7 سنوات في ظلم بيِّنٍ، على رأسهم نائب المرشد الثاني "خيرت الشاطر"، ومع ذلك انتشرت مدرسة الإخوان الفكرية خارج مصر في العالمين العربي والإسلامي، بل وامتدت إلى أوربا وأمريكا، وتأسست جماعات وأحزاب إسلامية على أسس ومبادئ الإخوان المسلمين في الكثير من البلاد، بل وشارك بعضها في الحكومات، وحازوا ثقة كبيرة بين الناخبين في كل تلك البلاد، حتى حلوا أولا أو ثانيا أو ثالثا في كل الانتخابات شبه النزيهة.

إذن هذه جماعة قد تضعف ولكنها لا تنهار، وقد تمرض ولكنها لا تموت، وقد يتصور البعض من أهل السلطات أنها اختفت، ولكنها سرعان ما تعود، وقد يتخيل البعض من الباحثين أنها قد تشيخ بفعل الزمن، ولكنها تثبت للجميع أنها تتمتع بحيوية الشباب وحماسته إضافة الى حكمة الشيوخ وخبرتهم.

ويتساءل الجميع عن ذلك السر الذي يجعل "الإخوان" قوية على الدوام، باقية على مدار الأيام، فاعلة في كل تلك الساحات على امتدادها الجغرافي والزماني، قادرة على الاستمرار في مختلف العصور، تستطيع الإسهام المتواصل رغم اختلاف الأحوال والمعطيات والظروف والمشاكل .

ذلك السر يكمن في اقتناع معظم أو كل الإخوان بأنهم يحملون "فكرة" و"رسالة" ويعملون من أجل "منهج إسلامي" وأنهم "روح" وليسوا مجرد جسد تنظيمي، وأنهم "دعوة ربانية إنسانية عالمية" وليسوا "هيئة" أو "جماعة" أو "تنظيما" وأن التجمع في تنظيم وهيئة إنما كان لخدمة الرسالة والدعوة والفكرة، وأن الحفاظ على ذلك الجسد هو لنشر تلك الدعوة، وللعمل من أجل تطبيق ذلك المنهج، ولإرساء أسس ودعائم ذلك المشروع العظيم لنهضة الأمة الإسلامية ووحدتها .

ذلك السر يكمن أيضا في أن فكرة الإخوان ودعوتهم إنما هى فهمهم الصحيح للإسلام العظيم، ورسالتهم هى رسالة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإن العوامل التي أدت إلى بقاء رسالة الإسلام رغم كل ما واجهته أمة المسلمين من عواصف، ورغم كل ما عاناه المسلمون في تاريخهم من معاناة داخلية باسم الاستبداد والفساد والانحراف، أو خارجية في عدوان مستمر متواصل وحملات التتار والصليبيين، والاستعمار الأوروبي الحديث، والعدوان الصهيوني والأمريكي الحالي، ورغم عصور التخلف والانحطاط والتحجر والجمود، فإن الإسلام ورسالته وعقيدته وفكرته بقيت حيّة في نفوس المسلمين، وتتجدد باستمرار، تلك العوامل هى نفس العوامل التي تحيي دعوة الإخوان المسلمين، أو كما سماها بحق الإمام الشهيد المؤسس "حسن البنا" دعوة الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري، وها هي دخلت واستمرت وازدهرت في القرن الخامس عشر أيضا.

يقول الإمام البنا رحمه الله : "لكننا أيها الناس: فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحده موضع، ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ ذلك لأنه نظام رب العالمين، ومنهاج رسوله الأمين"

ويقول الإمام الشهيد أيضا: "أيها الإخوان: أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبا سياسيا، ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مرددا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس"

أما عوامل النجاح فقد لخصها "حسن البنا" رحمه الله في تلك العناصر: "أننا ندعو بدعوة الله وهى أسمى الدعوات، وننادي بفكرة الإسلام وهي أقوى الفكر، ونقدم للناس شريعة القرآن وهي أعدل الشرائع :(صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)(البقرة:138)، وأن العالم كله في حاجة إلى هذه الدعوة، وكل ما فيه يمهد لها ويهيئ سبيلها، وأننا بحمد الله بُرَآءُ من المطامع الشخصية، بعيدون عن المنافع الذاتية، ولا نقصد إلا وجه الله، وخير الناس، ولا نعمل إلا ابتغاء مرضاته، وأننا نترقب تأييد الله ونصرته، ومن نصره الله فلا غالب له، فقوة دعوتنا وحاجة الناس إليها، ونبالة مقصدنا وتأييد الله إيانا، هي عوامل النجاح التي لا تثبت أمامها عقبة، ولا يقف في طريقها عائق :( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(يوسف: من الآية21)

ويقول رضي الله عنه:

"آمنوا بالله واعتزوا بمعرفته...

وتخلقوا بالفضائل، وتمسكوا بالكمالات، وكونوا أقوياء بأخلاقكم...

وأقبلوا على القرآن تتدارسونه، وعلى السنة المطهرة تتذاكرونها، وكونوا عمليين لا جدليين...

وتحابوا فيما بينكم، واحرصوا كل الحرص على رابطتكم، فهي سر قوتكم وعماد نجاحكم...

واسمعوا وأطيعوا لقيادتكم في العسر واليسر، والمنشط والمكره، فهى رمز فكرتكم، وحلقة الاتصال فيما بينكم...

وترقبوا بعد ذلك نصر الله وتأييده".

إذن هذه هي عوامل النجاح وسر قوة الإخوان على مدار الأيام، وسبب بقائهم رغم اختلاف العصور والأزمان، وهذا هو ما أعان الإخوان على الصمود في وجه المحن وتجاوز الأزمات.

الإيمان بالله، والإخلاص له وحده، والتحلي بالأخلاق الفاضلة، والارتباط بالقرآن والسنة، والحب العميق الذي يجمع تلك القلوب، والحرص على رابطة الأخوة في الله التي هي أعلى من مجرد الرابطة التنظيمية، والالتزام بالجماعة، والحرص على وحدتها وتماسكها والالتفاف حول قياداتها.

وإن كان لي أن أضيف سببا آخر؛ فإنه القدرة على إدارة الاختلاف، والتنوع داخل الصف الإخواني، واحترام المخالفين في الرأي طالما كانوا في دائرة الاجتهاد المسموح شرعا وفقها وإداريا وسياسيا؛ لأن ذلك التنوع كان ولا زال سببا لشموخ الإسلام وعظمته وانتشاره في آفاق الأرض، وازداد المسلمون قوة بتنوع المدارس الفقهية، وزيادة عدد المجتهدين على مدار الأزمان، ولذلك احترم الإخوان التعددية الفقهية، ولم يلزموا أحدا بالتزام رأي فقهي واحد، وهو ما سمح لهم ولقيادتهم بتوظيفٍ أمثلَ لكل الطاقات، ولنا في الجيل الذي تتلمذ على يد الإمام الشهيد القدوة والمثال.

يتوقف مستقبل الإخوان وبقاء قوتهم على قدرتهم على الحفاظ على تلك العوامل، التي طالما حافظوا عليها منذ أكثر من ثمانين عاما مديدة، وهذه هي العوامل الداخلية، أما العوامل الخارجية فإن أهمها هو مناخ الحريات العامة الذي يسمح للإخوان بالعمل والنشاط الذي يجدد خلايا الجسد الإخواني، ويطلق طاقات شباب ورجال ونساء الإخوان لخدمة المجتمع، ونشر دعوة الخير فيه، والسعي من أجل خير الناس.

ولله الأمر من قبل ومن بعد، فأنصتوا أيها الإخوان، وأيها الناس إلى كلام البنا، وأعيدوا قراءته من جديد، وليعلم الجميع أننا نور وفكرة، وصوت داوٍ، ومنهاج عظيم تخدمه هيئة جامعة شاملة، يربط بين أعضائها رابطة الحب والأخوة، التي هي أقوى الروابط ما دام ظللها الإخلاص لله رب العالمين، وتلتف حول قيادتها مهما بلغ التنوع والاختلاف في الرأي، ومهما تعددت المدارس داخلها.

ليست هناك تعليقات: