مرحبا

لا لجدار العار جدار الذل

ادخل وشارك برايك وقل لا لجدار العار جدار الذل

خدمات الموقع

HELP AQSA

break

الجمعة، 25 ديسمبر 2009

انتصار.. يا محسنين.. انتصار!

انتصار.. يا محسنين.. انتصار!
تاريخ النشر : 05/12/2009 - 10:00 م

لا ألوم أي شعب عربي يبحث عن أي انتصار حتى لو كان الفوز على الوسادة أو على منشفة الحمام، فباستثناء بعض حركات المقاومة الباسلة، تعيش كل الدول العربية تقريباً حالة من الهزيمة واليأس على مختلف الصعد، فشعوبنا مهزومة أمام جلاديها لا تستطيع حتى أن تعبر عن ألمها ومظالمها، فما بالك أن تدافع عن حقوقها أو تنتزعها، فلا يمر يوم إلا وتسمع عن إيداع العشرات من المعارضين في سجون هذا النظام أو ذاك لأتفه الأسباب. حتى إن البعض يسجن الكتاب والمفكرين لمجرد أنهم قالوا كلمة حق ليس ضد النظام الحاكم، بل ضد بلد آخر. تصوروا: لم يعد بإمكان البعض أن ينتقد نظاماً عربياً آخر إلا بإذن النظام الحاكم. والويل كل الويل لمن يتجرأ وينتقد ارتفاع أسعار البطاطا أو تدني خدمات الصرف الصحي في بوركينا فاسو أو ساحل العاج، أو من يظهر على فضائية دون ألف إذن وإذن، فمصيره الأقبية المظلمة إلى ما شاء الله، والتهم جاهزة بكبسة زر. لقد تحولت بلداننا إلى مستنقعات راكدة لا يسمح فيها حتى للبعوض أن يطير فوقها. هذا في الوقت الذي تتغول فيه الدول وأجهزتها الباطشة بطريقة لا تقل إرهاباً وقسوة عن تلك التي رسمها الروائي البريطاني الكبير جورج أورويل في رواية "1984".

صحيح أن حكامنا حققوا وما زالوا يحققون الانتصار تلو الآخر على شعوبهم. وصحيح أيضاً أن "جيوشهم الباسلة" تبلي بلاء حسناً ضد أي فصيل داخلي يحاول الخروج عن الطوق، كما تفعل الترسانة اليمنية وأعوانها ضد المتمردين في صعدة، لكن نفس المستأسدين على شعوبهم هم في واقع الأمر نعامات عندما يتعلق الأمر بمواجهة الخارج. ولا أدل على ذلك من أن الذين يمطروننا ببيانات نارية، ويستخدمون لغة غضنفرية على شاشات التلفزيون ضد المتمردين المساكين لا يترددون في التهافت على إرضاء الأعداء الحقيقيين، فلا يرفعون في وجوههم سوى "مبادرة السلام العربية" التي تتعامل معها إسرائيل باستخفاف وصلف صارخين.

كما أن الشعوب مهزومة، تتهافت على أي بصيص يرفع معنوياتها، فالحكام أيضاً مهزومون أمام أسيادهم في إسرائيل وأمريكا وأوروبا، لا بل أمام نظرائهم في أفريقيا، فعلى الأقل ما زال يمتلك العديد من الزعماء الأفارقة رغم فقرهم وتخلفهم بعض الكرامة والشهامة والإباء، بينما لا يقوى حكامنا إلا على الاستسلام والرضوخ. ولعلنا نتذكر كيف تحدى الأفارقة الحصار الذي كان مفروضاً على ليبيا رغم أنف أمريكا وبريطانيا، بينما كان يتسابق الحكام العرب على تطبيق الحصار بحذافيره.

أما مجتمعاتنا فحدث ولا حرج، فهي لم تعد تستطيع المنافسة حتى مع أقرانها في العالم الثالث مثل إيران، فبينما يطل علينا الإيرانيون شهرياً بصواريخ ومعدات عسكرية فتاكة، ما لبثت بلداننا العربية تستورد إبرة الخياطة وحتى الفلافل والطعمية من الصين والغطرة والعقال من اليابان. لقد بدأ العالم العربي يخرج فعلياً من العالم الثالث ليحل وحده لا شريك له في العالم الرابع. لم يعد لنا مكان حتى في وسط المتخلفين، فالتخلف أصبح درجات، ونحن نقبع في الدرك الأسفل للتخلف. والغريق يتمسك بقشة.

فلو نظرنا إلى الإحصائيات والجداول التي تصدرها الأمم المتحدة حول الفساد لوجدنا الدول العربية تتصدر القوائم فيما لو بدأ الترتيب من الأسوأ إلى الأفضل. وستقبع بلداننا في ذيل القوائم فيما لو كان الترتيب من الأفضل إلى الأسوأ. وكذلك الأمر بالنسبة للاستثمار الاقتصادي والبحث العلمي حيث تحل الدول العربية في مؤخرة القائمة. ومن المضحك أن قطاع غزة الذي يعاني الأمرين اجتماعياً واقتصادياً جاء في مرتبة متقدمة من حيث الازدهار الاقتصادي مقارنة ببعض الدول العربية.

لا عجب بعد كل ذلك أن تجد الجماهير العربية وحكامها يستميتون من أجل انتزاع نصر هزيل في ملاعب كرة القدم. لماذا لأنهم مهزومون في كل شيء، ولهذا فهم يستقتلون للفوز بأي نوع من الانتصار. ولو كانوا أصحاء فعلاً من الناحية العقلية والنفسية لكانوا عملوا من أجل تحقيق انتصارات أبقى وأجدى لا من أجل انتصارات تتقاذفها، وتنتجها أقدام اللاعبين وأحذيتهم.

يا الله لماذا وصل بنا الأمر إلى تمجيد ما تنتجه الصرامي والكنادر والجوتيات، أكرمكم الله. أليس النعل شيئاً مذموماً في ثقافتنا العربية؟ أما زلنا نعيّر الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بضربة حذاء منتظر الزيدي؟ فلماذا إذن تنقلب لدينا المعايير عندما يحقق لاعبونا انتصاراًً بنعالهم؟!

أليست "كرة القدم نموذجاً لقياس حالة الإحباط الجمعي" في عالمنا العربي، "ولحجم الكبت" المستدام بين ظهرانينا، يتساءل أحد الكتاب. ألا "تعتبر واحدة من أدوات التنفيس لاحتقاناتنا وهزائمنا المزمنة"؟ ألا تصبح كرة القدم في دولنا "المتصدرة قائمة أكثر الدول فساداً وفشلاً ومرضاً وأمية، ألا تصبح معركة وطنية زائفة"... فينسى الشعب كل هزائمه أمام الداخل والخارج على حد سواء ليحتفل بانتصار هلامي؟

"ميزة الهزائم" يجادل أحد الزملاء، "أنها تعلم الشعوب، فأعظم المهزومين في التاريخ، أصبحوا في مقدمة البشرية مثل اليابان وألمانيا. إلا أن هزائمنا عادة تضاف إلى مسبحة نسبِّح بها كلما جاء ذكر الوطن، نلمِّعها، نتباهى بها، ومع الزمن نحيل الهزيمة بقدرة قادر إلى نصر من نوع آخر".

لا عجب أبداً أن نقيم الدنيا ولا نقعدها من أجل كرة قدم، فنحن أمة تشحذ النصر ولا تحققه. نحن شحاذون لكل شيء بما فيها الانتصارات. انتصار...انتصار... يا محسنين!

ليست هناك تعليقات: