شهود يروون تفاصيل "تسونامي جدة الهادر"
مفكرة الإسلام: "اللحظات كانت مهولة.. والحدث أكبر من الكلمات، وأعظم من محاولة الوصف، ولو قيل لي إن "تسونامي جدة الهادر" قد حصل فعلاً، وبذلك الشكل المروِّع، لما صدَّقت أبداً".
بهذه الكلمات وصف شاهد عيان من مواطني مدينة جدة السعودية لصحيفة "البلاد" السيول التي اجتاحت "حي قويزة
وقال الشاهد: "إنني كنت شاهداً على "المأساة المروعة" وواقفاً على ضفاف "الحدث الجلل" من نافذة منزلي، التي كانت تطل على واحد من الأمواج الهادرة من السيول، التي اجتاحت "حي قويزة" الوديع، الرابض في شرقي مدينة جدة، فقد عشت حقيقة فصلاً مذهلاً من المأسأة،".
وأوضح "عند الساعة الثانية عشرة والنصف من ظهيرة الأربعاء 8 ذو الحجة 1430هـ كنت أتناول إفطاري في حُجرة من سكني الذي يُطل على أحد الشوارع الداخلية، في شارع مسجد العروة المتصل بمسجد التوفيق، وعبر باب زجاجي تناهى إلى مسمعي فجأة صوت غريب ضخم ولحظتها استدرت عبر الباب الزجاجي، لأصعق بالمفاجأة المذهلة، إنه سيل عرمرم مُندفع بقوة السهم عبر الشارع من الشرق للغرب، ولم أتمالك أن أصيح بأعلى صوتي (إنه سيل جارف) ثم واصلت بعفوية أطرح فرضية لهذا البلاء الغريب بصوت مرتفع (إنها بحيرة الصرف.. يبدو أنها انفجرت ووصلت إلى هنا) ثم بدأ الهرج والمرج داخل بيتي، والتفت على صياح زوجتي وهي تولول وتمسك رأسها إنه يقتلع السيارات ويهرول بها في قسوة وعنف ".
"كأنه يوم الدين":
وقال الشاهد "كنت عبر النافذة ألمح فصلاً كأنه يوم الدين، كما وصفه أحدهم أو كأنه فيلم سينمائي مرعب للغاية، تم تصميمه في "هوليود" الشهيرة بإنتاج أفلام الرعب العالمية، فهذه سيارات بالجملة تطفو فوق سطح السيول الهادرة، وكأنها علب فارغة، أو قطع من الخشب، إلى أن رأيت شاحنة مياه والسيل يتلاعب بها مهرولاً بها, عندها أدركت تماماً أن ما يحدث هو شيء غير طبيعي، وغير عادي أبداً، أدركت حقيقة أن كارثة حقيقية قد أحاطت بنا، ووصل تفكيري عند ذاك إلى أنه (السيل) قادر حتى على اقتلاع العمارات من أماكنها".
وأضاف "ولعلَّ من أبرز المشاهد المثيرة في فصول هذا السيل المرعب، أن معدل ارتفاعه في عرض الشارع، كان يتصاعد في وتيرة متصاعدة، وفي مشهد خيالي، لا يمكن وصفه إلاَّ للذين عاشوه، وتعايشوا مع لحظاته.. أنا شخصياً وضعت قياساً معيناً بعيني في سور الفيلا المقابلة لنافذة منزلي، فكنت أرى ارتفاع السيل يزيد كل عشر دقائق, وظللت أتساءل بدون جدوى.. من أين تأتي هذه المياه الهادرة ؟ من أين يأتي هذا السيل العرمرم ؟ من أين يأتي هذا البلاء العظيم ؟
وتابع "ولو كان اتجاه السيل من الغرب إلى الشرق لقلت إنه البحر، قد فاض وأغرق حيِّنا بمياهه الهادرة ، لكن المياه تأتي من الشرق إلى الغرب إذن من أين يأتي هذا السيل، وبدأت تتكرَّس في عقلي الباطن فرضية أن تكون هذه المياه المندفعة في عنفوان جارف، قادمة من بحيرة الصرف، فقد تكون قد انفجرت وأغرقت كل شيء أمامها، وزاد من تمسكي بتلك الفرضية في تلك اللحظات العصيبة، أن لون السيل بُني داكن، وله رائحة كريهة، لكن الأعظم والأهم أنه كان كثيفاً للغاية، ويرتفع منسوبه في سرعة خاطفة لم تزد عن نصف ساعة، حتى وصل أمامي إلى أكثر من متر ونصف ".
الرعب القاتل:
وقال الشاهد "رأيت جيراننا المقابلين الرجال هم وأبناؤهم وقوفاً في مداخل عماراتهم في تلك الظهيرة المفجعة، كانت وجوههم مخطوفة يعتريها الوجل الشديد، وملامحهم تعكس أجواء اللحظات المخيفة، والمكان بأجمعه يحمل عنواناً واحداً فقط هو (الرعب القاتل) .. ثم لمحت عاملاً يتدحرج وسط السيل، وقام، ثم تعثر إلى أن قذفه القدر إلى ضفة الشارع، بجوار جذع شجرة ما زالت صامدة، تمسك بها في لوعة من يُصارع أهوال الموت، ثم نجا، إلى أن قفز مذعوراً إلى حيث جارنا وأولاده الواقفين أمام بوابة عمارتهم، والمؤكد أنه لم يُصدق أنه قد نجا".
وأضاف "وبقيت متسمراً على النافذة لثلاث ساعات، أُشاهد شيئاً كأنه الخيال، كأنه حُلم مُزعج، وظللت بين فترة وأخرى أُكذب عيناي في أن يكون ما يحدث على مسرح الشارع أمامي هو حقيقة، ولكنه كان في الواقع الحقيقة المُرة والعجيب أن الثلاث ساعات مرت كلها ومعدل السيل ثابتاً عند ارتفاع المتر والنصف في الشارع أمامي".
اندفاع هائل للسيل:
وتابع "ومع الاندفاع الهائل للسيل، بدأ كل شيء يخور أمام الطوفان المندفع كالسهم، فهذا سوار فيلا جارنا يتداعى ثم يسقط، وهذه ألواح الألمنيوم التي كانت على حافته، تتحول إلى ما يُشبه الأوراق الخفيفة، التي صارت تطفو فوق المياه الغاضبة، وهؤلاء هم جِيراننا يتصايحون ويشيرون بأيديهم ناحية المسجد، لقد كان واحداً من أبنائهم ما زال في المسجد، إنهم يُشيرون له، وربما للذين حوله في فوهة المسجد بألا يدعوه يندفع عائداً للبيت، لأن النتيجة هي أن السيل سيبتلعه لا محالة في غمضة عين، وهذه طائرة هيلوكبتر تابعة للدفاع المدني تحوم في المكان، والجيران يُشيرون لها، لإنقاذ المصلين الذين ما زالوا في المسجد، والسيل يُحاصرهم ويدهم داخل المسجد، ويرتفع معدله شيئاً فشيئاً، ثم علمت بعد ذلك أنهم قد نجوا بأرواحهم بعد أن صعدوا إلى أعلى سطح المسجد".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق