- مفاوضات واسعة حول ثلاث أسيرات بالضفة يرفضهن الكيان
- المرحلة الحالية تدور حول 50 اسمًا بينهم البرغوثي وسعدات
- أسرى عرب وآخرون يحملون الهوية الصهيونية ضمن المرحلة الأخيرة
غزة- براء محمود:
في ضوء الحديث عن قرب إتمام صفقة تبادل الأسرى، يبدو واضحًا أن حركة حماس استطاعت أن تدير هذا الملف بحكمة بالغة بعد ثلاث سنوات من المباحثات غير المباشرة.
وبدا جليًّا في المرحلة الجزئية من الصفقة التي تمت قبل نحو شهرين، وأُفرِج خلالها عن عشرين أسيرة فلسطينية من سجون الاحتلال، مقابل شريط مصور مدته دقيقة يُظهِر "جلعاد شاليط" على قيد الحياة؛ أن حماس قادرة على فرض اشتراطاتها.
واستفادت حركة حماس من تجربة حزب الله في صفقة تبادل الأسرى التي أتمها في يوليو من العام الماضي، والتي كانت قائمة على السرية والكتمان، وأفرج بموجبها عن عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار.
ومن المؤكد أن هناك دورًا مهمًّا للطرف الألماني الذي دخل منذ عام على خط الوساطة، حيث يعتبر سجل الألمان حافلاً في الوساطة بملفات التبادل، لا سيما أنه خاض أكثر من تجربة في وقت سابق بين حزب الله ودولة الاحتلال أفضت إلى صفقات ناجحة.
ومهما بلغ مستوى التقدم في المباحثات غير المباشرة بين حماس و"إسرائيل" عبر الوساطة الألمانية والمصرية، إلا أن الحركة حريصة على عدم الكشف عما وصلت إليه المباحثات، رغم ما يبدو من تقدم حقيقي عبر وسائل الإعلام.
لكن يبدو أن التسريبات الإعلامية التي باتت تُثار بين الحين والآخر من شأنها أن تؤخر إنجاز الصفقة.
ويرى مراقبون أن وسائل الإعلام ربما تصور في حديثها عن هذا الملف الشائك أن هناك طرفًا خانعًا للطرف الآخر ولإملاءاته، وبالتالي هذا سيضع الطرفين في مأزق، وربما يدفع باتجاه فض المباحثات في اللحظة الأخيرة لحفظ ماء الوجه، وحتى لا يُقال مثلاً: إن الجيش الذي لا يُقهَر قُهِر.
وتنظر حماس بحساسية عالية إلى قضية التسريبات الإعلامية، وورد على لسان أسامة المزيني المخوَّل بالحديث إعلاميًّا عن الصفقة أن وسائل الإعلام كان لها دور سلبي على سير الصفقة جعلها تمتد لثلاث سنوات، لذا ارتأى القائمون عليها عدم الخوض في تفاصيلها.
ورغم الحراك السياسي الذي يجريه قادة بارزون من حماس على المستوى الخارجي؛ لكن الحركة ترفض قطعيًّا ربط جولات قياداتها ببحث ملف الصفقة مع الوسطاء.
ويحسب مراقبين، لحماس قدرتها على الاحتفاظ بالجندي الأسير "جلعاد شاليط" الذي اختطفته في الرابع والعشرين من يونيو 2006م طيلة هذه الفترة التي أخفق فيها جهاز "الموساد الصهيوني" في الكشف عن مكانه، مع أن الحرب التي شنتها "دولة الاحتلال" على غزة مطلع العام الحالي كان شعارها تحرير شاليط، ولكنها أخفقت أيضًا في تحقيق أهدافها.
ولا تربط حماس صفقة تبادل الأسرى بوقت زمني سياسي، لا سيما أن كل ما يعنيها هو إنجاز صفقة مشرفة تلبي طموح الشعب الفلسطيني المحاصر، وتفرج عن النساء والأطفال وذوي المحكوميات العالية.
ويرى بعض المراقبين أن تنفيذ الدولة العبرية لشرط حماس بفك الحصار عن غزة بُعَيد إتمام صفقة التبادل سيعطي الحكومة في القطاع فرصة لأخذ دورها، وممارسة عملها، وتنفيذ مشروع إعادة إعمار ما دمرته الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة.
ورغم ما يُثار في وسائل الإعلام، إلا أن الغموض الذي يلف الصفقة سيد الموقف، في الوقت الذي تناقلت فيه وسائل الإعلام أن سلطات الاحتلال مستعدة للإفراج عن980 أسيرًا لمبادلتهم بشاليط.
وبرَّر الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف التكتيم الإعلامي بالقول: "التكتيم هو أحد أهداف الراعي الألماني، وأحد أساليبه في العمل في مثل هذه الحالات، وأعتقد أن الراعي الألماني اشترط على كل من الجانب الفلسطيني والجانب الصهيوني وحتى الجانب المصري عدم الإفصاح عن أية معلومة حول مجريات الحوار والتفاوض، ودليل ذلك الذي حدث في صفقة الشريط المصور وتحريره للأسيرات العشرين اللاتي أفرج عنهن مقابل هذا الشريط، لم نسمع عن ذلك في وسائل الإعلام إلاّ لحظة تنفيذ الاتفاق الموقع بين الجانبين".
وأضاف الصواف: "باعتقادي أن التكتيم الإعلامي له ميزات واضحة تخدم الصفقة، فلذلك الكل حريص على هذا التكتم الإعلامي حتى تتم هذه الصفقة، وهذا يدلل على حرص كل الأطراف على تنفيذها، ولكن كل طرف منهم يحاول أن يحقق شروطه ومواقفه من هذه الصفقة، ويضغط في هذا الاتجاه أو في ذاك حتى يتم ذلك".
تكتم شديد
وكان الجانبان الصهيوني والفلسطيني تعهدا بالتزام "التكتم الشديد" على تفاصيل القائمة أمام الوسيط الألماني الذي يُجري حاليًّا مفاوضات مع مختلف الأطراف لإبرام الصفقة، ومن المقرر أن تتواصل الرقابة المفروضة على وسائل الإعلام، فيما يتعلق بهذه الصفقة في حال تبين أن نشر أي معلومة قد تهدِّد عودة الجندي شاليط سالمًا، أو قد تؤدي إلى رفع الثمن مقابل الإفراج عنه.
١١٥٠ أسيرًا
|
أسرى فلسطينيون مغيبون خلف القضبان |
وكانت مصادر فلسطينية تحدثت مؤخرًا عن إحراز تقدم كبير في إطار مفاوضات صفقة التبادل يقضي بالإفراج عن 1150 أسيرًا فلسطينيًّا، وليس 980 أسيرًا، كما أشارت المصادر "الإسرائيلية"، من بينهم 43 من ذوي الأحكام العالية، والذين تصفهم دولة الاحتلال بـ"الملطخة أيديهم بالدماء"، والذين توقعت المصادر أن يجري إبعادهم إلى عدد من الدول العربية.
وتطالب حماس بإيضاحات حول بعض الضمانات المطلوبة لإتمام الصفقة، ما يدل على أن مفاوضات صفقة التبادل ستستكمل في غزة وليس في القاهرة.
وقالت حركة حماس: إن مفاوضات صفقة تبادل الأسرى وصلت إلى نقطة من الصعب العودة منها.
وفي غضون ذلك كشفت مصادر فلسطينية لـ(إخوان أون لاين) أن الحركة والكيان اتفقا في المفاوضات غير المباشرة الجارية بينهما على 400 اسم، وأن المفاوضات في هذه المرحلة تتركز على 50 اسمًا في صفقة تبادل الأسير الصهيوني بأسرى فلسطينيين.
وأضافت المصادر أن من بين الأسرى المختلف عليهم ثلاث أسيرات هن: آمنة منى من القدس، وأحلام التميمي من قرية النبي صالح قرب رام الله، وقاهرة السعدي من جنين، علمًا أن "إسرائيل" تتهم الأسيرات الثلاثة بلعب دور مركزي في عمليات مسلحة أدت إلى قتل "إسرائيليين".
ومن بين الأسماء الخمسين كلٌّ من عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مروان البرغوثي، والأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أحمد سعدات، وبعض كبار قادة الجناح العسكري لـ"حماس"؛ مثل إبراهيم حامد وعباس السيد وعبد الله البرغوثي وجمال أبو الهيجا وحسن سلامة.
كما يجري التفاوض على الأسرى الفلسطينيين من حَمَلة الهوية الصهيونية والأسرى العرب.
وقالت تلك المصادر إن اختراقًا حدث في أسرى القدس، بعد أن وافق الكيان على أن تشمل الصفقة عددًا منهم، وأوضحت مصادر في السجون أن الكيان وافق على إطلاق 17 أسيرًا مقدسيًّا، بينهم عشرة يُبْعدون للخارج.
خلاف على عدد المبعدين
وقد عرض الكيان إبعاد 130 أسيرًا للخارج؛ لكن حماس تعارض وتسعى إلى خفض العدد.
وأكدت حماس أن الإبعاد سيكون منوطًا بالأسرى أنفسهم.
|
فتحي حماد |
وكان وزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية فتحي حماد رجح إنجاز صفقة تبادل الأسرى بين الحركة و"إسرائيل" خلال شهر ديسمبر المقبل، وقال حماد: "إن حكومته تأمل في إنجاز صفقة التبادل بشكل مرتقب".
وأضاف: "نأمل ونعمل أن تتم صفقة التبادل لتتزامن مع ذكرى انطلاقة حركة حماس (في 14 ديسمبر) والذكرى الأولى للحرب الصهيونية على قطاع غزة (في 27 من الشهر نفسه)، حتى تكون المناسبتان عيدًا لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال".
واعتبر الصواف أن صفقة تبادل الأسرى قريبة بعيدة، مستندًا لمعطيات الواقع وما يدور من لقاءات ووفود هنا وهناك.
وقال الصواف: "الصفقة قريبة بعيدة في نفس الوقت، قريبة في معطيات الواقع ومعطيات ما يدور من لقاءات ووفود هنا وهناك؛ لكن بعيدة بسبب الموقف الصهيوني المتعمد والمماطل، والذي ربما يظهر في لحظة حاسمة، ويتخذ مواقف أو سياسات معينة توقف تنفيذ هذه الصفقة".
وأضاف الصواف: "فلذلك أتمنى على كل وسائل الإعلام ألا تنجرّ خلف تحديد أزمان وأوقات لإتمام هذه الصفقة؛ حتى لا نلعب بعواطف أهالي الأسرى والأسرى أنفسهم في ظل هذا التجاذب الإعلامي الكبير الذي تشهده الساحة الفلسطينية، وخاصة موضوع صفقة الأسرى يجب أن نتعامل معه بروية وتأنٍ ودون أي مبالغة أو تهويل، وأن ننتظر المعلومات الصادرة عن الجهات الرسمية".
وأوضح الصواف أن هناك عقبات ما زالت قائمة في الصفقة، وهذه العقبات قابلة للحل لكنها تحتاج للمزيد من الوقت.
وحول حديث وسائل الإعلام الصهيونية وتوجيه كلامها نحو قرب انتهاء الصفقة، قال الصواف: "هذا الحديث له عدة أهداف: الأول التأثير على الموقف الفلسطيني من خلال خلق حالة رأي عام في الشارع الفلسطيني، ضاغطة على حركة حماس وقوى المقاومة للتنازل عن بعض شروطها، وكذلك توجيه رسالة للرأي العام الصهيوني ليشكل إسنادًا لحكومة نتنياهو؛ حتى تتم هذه الصفقة بشكل أو بآخر، وألا يكون هناك اعتراضات من قِبل جماعات الضغط الداخلي أو الأحزاب المعارضة على تنفيذ هذه الصفقة، خاصة أنها صفقة نوعية ومختلفة عن كل الصفقات التي أبرمت ما بين الفلسطينيين والصهاينة على مدى السنوات الطويلة".
وأضاف: "لذلك هم يريدون أن يؤمِّنوا جبهتين: جبهة داخلية صهيونية مساندة لموقف الحكومة الصهيونية، وجبهة فلسطينية داخلية ضاغطة على موقف قوى المقاومة لتخفيف سقف شروطها لهذه الصفقة".
وأخيرًا.. يعيش ملف الصفقة عملية مد وجزر، وما دام أن الطرفين لم يعلنا عن التوصل لاتفاق فهذا يعني أن المباحثات لا تزال جارية، ولكن استمرار حماس في نهج السرية والكتمان في هذا الملف ربما يفلح في إتمام الصفقة قريبًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق